طفلة عراقية تحصد ميداليات دولية في تنس الطاولة

لا تبدو هذه المراهقة العراقية كأي لاعب رياضي تقليدي؛ فقد بترت ساقها اليمنى حتى الفخذ واليسرى حتى الركبة وذراعها اليمنى حتى العضلة.

لكن عندما تمارس نجلاء عماد (14 عاما) رياضتها المفضلة تنس طاولة يتحرك جذعها بخفة وسلاسة راقصة، فتتسلم الكرة وتضربها بسرعة لدرجة أن خصمها يصبح عاجزًا عن تسلمها.

مؤخرًا تمكنت من الفوز بميداليتها الفضية الرابعة والبرونزية الرابعة خلال مسابقة دولية لأصحاب الهمم أقيمت في مصر يونيو/حزيران الماضي.

"في الصف الرابع، أدركت أنني مختلفة عن باقي الفتيات"، هكذا قالت نجلاء بينما تجلس على كرسي متحرك داخل منزل عائلتها في مدينة بعقوبة العراقية، إذ تعيش في شارع غير ممهد، ولا يوجد في منزلها صرف صحي والكهرباء تنقطع دائما.

"شاهدت أصدقائي يركضون ويسيرون ويلعبون بالمدرسة، وكانوا يفكرون عما سيفعلونه بالمستقبل. لكن كل ما كنت قادرة على فعله، الجلوس بكرسيّ المتحرك والتفكير في رغبتي بالركض مثلهم"، هكذا أردفت نجلاء التي عندما كانت بعمر ثلاثة أعوام انفجرت قنبلة وضعت أسفل سيارة والدها.

هذا العمل التخريبي كان على الأرجح وراءه تنظيم القاعدة الإرهابي في العراق، إذ استهدف والدها بسبب عمله في قاعدة عسكرية محلية مع جنود أمريكيين.

في غضون ثوانٍ، أصبحت هذه المراهقة العراقية واحدة من بين مئات الآلاف أصيبوا بجروح عميقة في الأحداث التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق عام 2003؛ إذ كان الشباب في مرمى النيران التي دمرتهم جسديًا ونفسيًا.

ليس كل المصابين تبتر أطرافهم؛ فهناك من إصابته في ظهره لتجعل من المستحيل تحركه أو حمل أي شيء، أو آخرين فقدوا إحدى عينيهم نتيجة الشظايا حتى أن بعض العائلات ومع عدم قدرة أكبر العائلين على العمل انتهى بهم الحال بلا مأوى.

كل يناضل من أجل التوصل لطريقه تمكنه من الاستمرار والتعايش، نجلاء واحدة من عدد متزايد من الرياضيين العراقيين الذين ينافسون في رياضات على مستويات رفيعة بعد فقدان أطرافهم.

منذ عام 2003، هناك زيادة بنسبة نحو 70% في أعداد العراقيين المشاركين في الألعاب البارالمبية الذين كانت إصاباتهم مرتبطة بأعمال إرهابية، طبقًا لمحمد عباس السلامي، نائب رئيس اللجنة العراقية للألعاب البارالمبية، الذي أكد أن اللاعبين المصابين في الحرب يتمتعون بمواهب استثنائية، لكنهم يعانون أكثر على الصعيد النفسي؛ لأنهم يتذكرون الفترات التي قضوها قبل إصابتهم.

ذكريات أليمة
وفي حكاية نجلاء، المعاناة نفسية جزء منها أيضا؛ فهي واحدة من بين 8 أطفال ولدوا لعائلة مترابطة، وكانت طفلة نشيطة تركض يوميًا لتقابل والدها أثناء عودته من عمله بالقاعدة العسكرية الأمريكية العراقية المشتركة.

وتذكر والدها عماد (56 عاما) لوقت الحادث، قائلا: "في 19 أبريل/نيسان 2008 وأثناء عودتي للمنزل ركضت نجلاء ناحيتي ومدت ذراعيها وابتسمت. خرجت من السيارة لمساعدتها على الصعود. لكن بينما كانت تفتح الباب انفجرت القنبلة".

وأوضح والدها: "عندما انفجرت القنبلة شعرت نجلاء بضربة قوية، كما لو كانت هناك نيران في جسدها لدرجة أنها شاهدت ذراعها يطير في الهواء حتى أحد منازل جيرانهم لكنها لم تتمكن من الشعور بساقيها".

 

اقرأ أيضًا:

العربية الفصحى والإنجليزية لغة نساء "الدواعش" في مخيم "الهول" شرق "الحسكة"

نقلها والدها بسرعة إلى المستشفى، لكنها فقدت دما كثيرًا ولم يكن الأطباء متأكدين من قدرتهم على إنقاذهاـ وقالت: "بقيت بالمستشفى لثلاثة أشهر وعندما أدركت أنني فقدت ساقي الاثنين وذراعي، بكيت ثم غضبت لأنني علمت أنني فقدت كل شيء".

اكتئاب يتحول لإنجاز
كان الاكتئاب جزئيًا؛ ما دفع نجلاء ناحية لعبة التنس طاولة، منذ خمسة أعوام، وبسبب حزنها من عدم قدرتها على الركض مثل زملائها بالمدرسة، اشترت مضرب تنس طاولة لتمنح نفسها شيئا تفعله عند الانتهاء من واجبها المدرسي.

كان الأمر صعبًا ومحبطًا في البداية خاصة أنها من الأشخاص الذين يستعملون يدهم اليمنى؛ لكن مع فقدان هذه اليد ناضلت من أجل تعلم استخدام يدها اليسرى وبدأت في ضرب الكرة مرارًا وتكرارًا تجاه حائط منزلهم.

ظلت نجلاء تفكر في الحصول على ساقين، وذهب والدها بالفعل إلى مستشفى في بغداد وناشد العاملون هناك منح ابنته أطرافا صناعية، وفي النهاية تمكنوا من الحصول عليها لكنها كانت ضعيفة وتسبب لها الألم، وكانت الأطراف الصناعية الجيدة تكلف 15 ألف دولار، والمناسبة للاعبة رياضية تكلف أكثر بكثير، ومع الدخل الضعيف لوالدها بـ400 دولار شهريا أصبح هذا أمر بعيد المنال.

حاول والد نجلاء مساعدتها بطرق أخرى، فطلب من أحد الأصدقاء كان يدرب فريق الألعاب البارالمبية تعلم ابنته. وعندما وصل المدرب حسام حسين البيات لمنزل الأسرة، طلب منها بدء التدريب بالمضرب. بالفعل بدأت المراهقة العراقية التدريب، وكانت تتمتع بإمكانيات تجعلها "جيدة جدا".

كانت بعمر 12 عامًا فقط عندما فازت بأحد المراكز ضمن الفريق العراقي للألعاب البارالمبية، وقالت: "إن أول أسباب نجاحها كان عدم النظر للاعبين الآخرين، فعندما تلعب عينيها دائما على الكرة هي صديقها وعدوها".

قد يهمك أيضًا:

مسؤولو قصر "كينسينغتون" يوضحون حقيقة خضوع كيت ميدلتون لـ" البوتوكس الوقائيّ"

رجال يعلنون عن تجاربهم مع إجبارهم على "الإيلاج" وممارسة الجنس تحت التهديد