رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي

عرف العراقيون طَوال الأعوام الستة عشر الماضية نوعا واحدا من أنظمة القطع المبرمج، وهو للكهرباء، وفي ما عاد رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي من الصين محملا بوعود بالاستثمار والتنمية يفترض أن تقضي على آخر ما تبقى من القطع المبرمج للكهرباء فإنه واجه بعد يومين من عودته واحدة من أشرس المظاهرات والاحتجاجات في وجه النظام الذي قام بعد سقوط صدام حسين في 2003.

وفوجئ العراقيون بقطع الإنترنت نهائيا طوال نحو 5 أيام، فضلا عن حظر تجوال استمر 3 أيام ارتفعت خلاله أسعار المواد الغذائية والأساسية في الأسواق ارتفاعا غير مسبوق، على خلفية أسبوع من الاحتجاجات التي قُتل خلالها أكثر من 120 شخصاً، وجرح أكثر من 6 آلاف، طبقاً للإحصاءات الرسمية، لكن حدة المظاهرات خفتت على أثر حزمة من القرارات التي أقدمت عليها الحكومة والبرلمان للمرة الأولى منذ أكثر من عقد ونصف.

وعاد جسر الجمهورية الرابط بين ساحة التحرير في جانب الرصافة والمنطقة الخضراء في جانب الكرخ للعمل إيذاناً بعودة الحياة إلى طبيعتها في بغداد. كما عادت خدمة الإنترنت، لكن بقطع مبرمج هذه المرة، شأنها شأن الكهرباء التي لطالما تهكم العراقيون على قطعها المبرمج طوال السنوات الماضية رغم إنفاق الحكومة عشرات مليارات الدولارات على إصلاحها من دون فائدة.
وطبقا لتوضيح حكومي فإن خدمة الإنترنت ستقطع في عموم العراق بدءا من الثالثة بعد الظهر بتوقيت بغداد حتى السابعة صباحاً من اليوم التالي، حتى «إشعار آخر»، أما «الإشعار الآخر» فربطه المواطنون والناشطون والسياسيون بفترة «الهدوء» أو خفض التوتر التي تم الاتفاق عليها بين الجهات الرسمية وممثلي المظاهرات الذين التقاهم على التوالي كل من رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الوزراء عادل عبدالمهدي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي.

و«فترة الهدوء»، طبقاً لمصدر حكومي مطلع، لا ترتبط بالضرورة «بما يشاع حول تأجيل كل شيء إلى ما بعد الزيارة الأربعينية التي باتت على الأبواب، بل بسبب الإجراءات والوعود التي قطعتها السلطتان التشريعية والتنفيذية على نفسيهما وأهمية تحقيقها خلال أقرب فترة ممكنة». وأضاف أن «الحكومة لم تعقد هدنة مع أحد، بقدر ما تفاهمت مع ممثلي المتظاهرين في مناطق بغداد وكذلك المحافظات، فضلاً عن شيوخ العشائر الذين لديهم ثقل في مناطقهم من أجل نزع فتيل الأزمة التي خرجت عن سياقات التظاهر المعروف إلى فتنة يراد بها خلط الأوراق وتأجيج أوضاع البلاد».

ورداً على سؤال عما إذا كان من التقت بهم الرئاسات الثلاث يمثلون المتظاهرين، يقول المصدر الحكومي إن «من جاء إلى الرئاسات الثلاث لأغراض التفاوض هم أصحاب المطالب المشروعة والذين يهمهم تحقيق كل ما وعدت به الحكومة. أما في حال وجد هناك من لديه مطالب أخرى مثلما شاهدنا، مثل إسقاط النظام أو تغيير العملية السياسية، فهذا يحمل سقف مطالب لا يقبل به معظم أبناء الشعب، وبالتالي فإن هؤلاء حتى لو استمروا بالاحتجاج، فلا يمثلون الأكثرية بأي حال من الأحوال».

ورغم مساعي التهدئة، سواء عبر حزمة الإجراءات الإصلاحية أو نتيجة دخول أطراف على خط التهدئة، فإن السجالات بين العراقيين سواء في الداخل أو الخارج تزداد حدة بشأن ما حصل ومن هو المسؤول ومن يقف وراء ذلك وما الغايات من ورائه.

وفي الأوقات التي يسمح خلالها بفتح الإنترنت، تدور تلك السجالات عبر مقاطع الفيديو والتعليقات التي شملت كل القطاعات، بمن فيهم أعضاء في البرلمان. ومثلما انقسمت الفئات المختلفة من العراقيين، سواء أكانت عمرية أم طبقية أم نخباً فكرية وسياسية، حول المظاهرات، وهو ما يحدث للمرة الأولى منذ مظاهرات عام 2011، فإن مما يلاحظه المتابع للسجالات الدائرة استمرار المواقف الحدية؛ مع المظاهرات أو ضدها، بشكل يكاد يكون قاطعاً.

وبينما تعالت أصوات تخشى اندلاع فتنة طائفية جديدة بين الشيعة والسنة مثل الفتنة الأولى التي حصلت بعد تفجير «القاعدة» مرقدين شيعيين في سامراء عام 2006 وأدت إلى نشوب حرب أهلية استمرت نحو عامين، فإن كثيرين يستبعدون ذلك ويرفضون ربطه بالمظاهرات التي تركزت في مناطق ذات غالبية شيعية.

ويقول النائب عن محافظة الأنبار ذات الغالبية السُنية محمد الكربولي إن «هناك من يحاول بالتأكيد الصيد في المياه العكرة، لكننا، وعبر تواصلنا مع أبناء مناطقنا، واعون تماماً لكل ما يمكن أن يؤدي إلى حدوث خلل في النسيج الاجتماعي العراقي». وأشار إلى أن «مناطقنا عانت كثيراً من ويلات الإرهاب؛ فضلاً عن التهميش والإقصاء طوال السنوات الماضية».
ولفت إلى أن «المظاهرات الأخيرة، رغم كل محاولات ركوب موجتها، جوهرها حقيقي، وهو المطالب المشروعة لكل العراقيين. وقد سبق لمحافظاتنا أن خرجت للمطالبة بها عام 2013، لكنها لم تجابه بموقف مشجع من الحكومة آنذاك، وهو ما أدى إلى استغلالها من قبل تنظيم (داعش) الإرهابي الذي نجح بسبب تلك السياسات في احتلال 4 محافظات غربية، وهو ما نعمل على عدم تكراره، فضلاً عن ثبات موقفنا باتجاه تحقيق المطالب المشروعة وعدم الانجرار إلى الفتنة بأي شكل من الأشكال».

وقد يهمك أيضا:

كميات من الأسلحة من مخلفات الإرهابيين في بلدة اللطامنة بريف حماة