تظاهرات في شوارع تشيلي

احتجاجات تشيلي هي الأحدث في أميركا الجنوبية وحول العالم، من بيروت إلى برشلونة، وكل له أسبابه المحلية، غير أنها تشترك معا في كونها نابعة من الغضب بسبب التفاوت الاجتماعي والاستياء من النخبة الحاكمة.

ووصفت عمدة المدينة كارلا روبيلار مسيرة الجمعة في العاصمة سانتياغو بأنها “أكبر مسيرة في تشيلي”، حيث تدفق 2.‏1 مليون شخص على وسطها. وتابعت: “اليوم تشيلي تغيرت”، مضيفة أن كل السياسيين يحتاجون إلى التفكير في سبب أزمة الثقة هذه.

اقرأ أيضا:

ارتفاع عدد قتلى المظاهرات في العراق إلى 67 شخص بعد الاشتباك مع قوات الأمن

وطالب المتظاهرون بإصلاحات جذرية خلال احتجاجهم السلمي، حسبما قالت عمدة روبيلار في تصريحاتها لإحدى الإذاعات المحلية. وغردت روبيلار على “تويتر” مع مقطع فيديو جوي للمتظاهرين في الشوارع: “تشيلي تعيش يوما تاريخيا اليوم. العاصمة سانتياغو شهدت اليوم مسيرة سلمية شارك فيها نحو مليون شخص يجسدون حلم تشيلي الجديدة”.

وتتناقض هذه الأجواء مع أعمال الشغب التي اندلعت قبل أسبوع وتمثلت بعمليات نهب وتخريب لعشرات من محطات المترو والوقود والمحلات التجارية. وفي نهاية المظاهرة جرت حوادث متفرقة قبل بدء تطبيق منع التجول لليوم السابع على التوالي في سانتياغو التي يبلغ عدد سكانها 7.5 مليون نسمة.

وبعد أسبوع على بدء موجة احتجاج غير مسبوقة منذ عقود في بلد يعتبر من أكثر دول أميركا اللاتينية استقرارا، لا يبدو أن الاحتجاج سيتراجع، في تعبئة تاريخية للاحتجاج على التفاوت الاجتماعي، معززين بذلك الضغط على حكومة الرئيس سيباستيان بينييرا. وعبرت حاكمة منطقة سانتياغو كارلا روبيلار عن “تأثرها” للمشاركة الكثيفة في هذه المظاهرة التي جمعت “أكثر من مليون شخص في سانتياغو ومناطق عدة في البلاد”. وقبيل ذلك كتبت بلدية سانتياغو في تغريدة أن “أكثر من 820 ألف شخص” متجمعون في وسط العاصمة.

وفي أول رد فعل له، أكد الرئيس بينييرا على “تويتر” في وقت متأخر من مساء الجمعة: “المسيرة الضخمة والمبهجة والسلمية، والتي طالب التشيليون خلالها بتشيلي أكثر عدالة ومساندة، تفتح الطريق للمستقبل والأمل”. وأضاف: “لقد استمعنا جميعا إلى الرسالة. لقد تغيرنا جميعا. وبالوحدة ومساعدة الرب، سنسلك طريق تشيلي الأفضل للجميع”.

وذكر صحافيون من وكالة الصحافة الفرنسية أن المتظاهرين رفعوا أعلام تشيلي ورددوا أغاني شعبية تعود إلى عهد الديكتاتور أوغستو بينوشيه (1973 - 1990)، في ساحة إيطاليا التي أصبحت مركز الحركة الاحتجاجية، وكذلك في الكثير من الشوارع المجاورة لها. ومر المتظاهرون، الذين يطالبون باستقالة الرئيس سباستيان بينييرا، بالمباني الحكومية في العاصمة، دون حوادث. كما نظمت مظاهرات في مدن أخرى في تشيلي، من بينها فالبارايسو وبونتا اريناس وفينيا ديل مار. وبحلول منتصف المساء كان معظمهم قد عادوا إلى بيوتهم قبيل موعد سريان حظر التجول الذي يبدأ في الحادية عشرة.

وقال فرانسيسكو أغيتار (38 عاما) الذي يعمل في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي وكان بين المتظاهرين في سانتياغو، بحماس: “سيكون هذا على الأرجح أكبر تجمع في التاريخ”. وأضاف: “نطالب الحكومة بالعدالة والنزاهة والأخلاق. لا نريد الاشتراكية ولا الشيوعية ونريد عددًا أقل من الشركات الخاصة وتدخلًا أكبر للدولة”. أما كارلوس لازي المتقاعد البلغ من العمر 77 عاما، فقد رأى أن أول نتيجة لهذا الحراك هي “لن يكون علينا تحمل المزيد من التجاوزات بعد الآن. الناس مستعدون للتضحية وإذا كان علينا أن نعطل كل شيء لأسبوع أو شهر سنفعل ذلك ولا يهم ما سيكلفنا ذلك”.

وعلى الرغم من انتشار نحو عشرين ألفا من رجال الشرطة والجيش، جرت المظاهرة في أجواء احتفالية في العاصمة بينما ما زالت سانتياغو ومدن أخرى في البلاد تخضع لحالة الطوارئ. كانت المظاهرات قد اندلعت في تشيلي احتجاجا على زيادة أسعار المواصلات العامة وتحولت إلى أعمال شغب وحرق ونهب أسفرت عن مقتل 17 شخصا على الأقل وإصابة المئات. واعتقلت السلطات أكثر من 7000 شخص.

في غضون ذلك، أكد الجيش أن حظر التجول لا يزال ساريا في العاصمة من الساعة 11 مساء الجمعة وحتى الرابعة من صباح السبت.

وقال مارتشيللو ميلا الخبير السياسي في جامعة سانتياغو، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن التعبئة الهائلة التي جرت الجمعة “تشكل علامة بعد ثلاثين عاما اتسمت بتراجع متزايد في الاهتمام بالسياسة منذ 1989، مع بدء الانتقال السياسي الذي أنهى حكم أوغستو بينوشيه”. وأضاف أن الحركة “تدعو القادة السياسيين إلى الدفع باتجاه تغييرات عميقة في نموذج التنمية الرأسمالي. نوع من انتقال ثان”.

انفجر الغضب الاجتماعي الذي تجسد بمظاهرات عنيفة وعمليات نهب، بعد إعلان زيادة نسبتها 3.75 في المائة في رسوم مترو سانتياغو، لكنه لم يهدأ بعد تعليق هذا الإجراء.

واتسعت الحركة التي يتسم المشاركون فيها بالتنوع ولا قادة واضحين لها، يغذيها الاستياء من الوضع الاجتماعي والتفاوت في هذا البلد الذي يضم 18 مليون نسمة. ولم يؤد إعلان الرئيس عن سلسلة من الإجراءات الاجتماعية الثلاثاء واعترافه بأنه لم يتوقع الأزمة وطلبه “الصفح” من مواطنيه، إلى النتيجة التي كان يأملها. وفي محاولة لخفض حدة التوتر، أعلن الرئيس المحافظ أن السلطات “تعمل على خطة لتطبيع الحياة في بلادنا (..) لنتمكن من وقف اللجوء إلى حظر التجول وإلى رفع حالة الطوارئ”. وبعيد هذا الإعلان، تم تقليص حظر التجول الذي فرض ليل الأربعاء الخميس إلى خمس ساعات بدلا من عشر ساعات في الليالي السابقة.

وقد يهمك أيضا:

ترامب يفرض حالة الطوارئ في ولاية فلوريدا الأميركية