الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي

تتصاعد في ليبيا موجات رفض استباقية للاستفتاء الشعبي على "مسودة الدستور"، مقابل تأييد جارف لها في معركة بين فريقين تجلت بعض جوانبها خلال جلسات مجلس النواب، الذي لم يحسم موقفه بعد من التصويت على مشروع "قانون الاستفتاء"؛ الأمر الذي عدّه بعض المطّلعين في حديثهم إلى "الشرق الأوسط" "تفجيرًا للدستور المرتقب، وعرقلة لإجراء انتخابات هذا العام".

وأقرت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي "مسودة الدستور" بأغلبية الأصوات في يوليو /تموز العام الماضي، ورفعتها إلى البرلمان، في طبرق في شرق البلاد لإقرارها، لكنها لاقت رفضًا واسعًا من قبل قبائل وأطراف مختلفة، من بينهم أنصار "التيار الفيدرالي" في إقليم برقة بشرق البلاد، فضلاً عن ملاحقتها بدعاوى قضائية أمام محاكم ليبية مختلفة تطالب ببطلان التصويت عليها.

عام من الانتظار
لكن بعد مرور عام على انتظار البرلمان لإقرار قانون للاستفتاء على مسودة الدستور حاول كل فريق أن يؤكد أن هذه المسودة قد تكون سبباً في هلاك البلاد، وتمكين تيار الإسلام السياسي من الحكم، أو قد تشكل طوق نجاة ينهي الفوضى التشريعية والسياسية، التي عمّت البلاد منذ إسقاط النظام السابق عام 2011؛ ما دفع الدكتور سعد المريمي، عضو مجلس النواب إلى التساؤل حول "إمكانية إقرار قانون الاستفتاء على الدستور من عدمه؟، في ظل التجاذب السياسي، والصراع الداخلي والمحلي والدولي بين مؤيد للانتخابات بشدة ورافضه لها".

وأضاف المريمي، النائب عن طرابلس رئيس لجنة التعليم بالمجلس، في حديثه إلى "الشرق الأوسط"، أن "فرنسا وفريقها الداخلي، وبعض دول الجوار يدفعون بقوة إلى إجراء انتخابات رئاسية ونيابية نهاية العام، وفقاً لمبادرة باريس... وبالمقابل، نجد تيار الرفض الذي تقوده إيطاليا، ومن خلفها بريطانيا وأميركا بعدم خوض الانتخابات في الظروف الحالية"، لافتًا إلى أن "التوجه الأخير يرعاه ويطالب به تيار الإسلام السياسي، إضافة إلى جانب من دول الجوار، كل وفق مصلحته وأجندته الدولية الضاغطة".

أعضاء يُنادون بالموافقة
ورأى المريمي أن "عددًا لا بأس به من أعضاء مجلسي النواب والدولة ينادون بالموافقة على صدور قانون الاستفتاء بهدف تطويل أمد الأزمة في البلاد".

وأمام تصاعد الخلافات بين النواب حول قانون الاستفتاء على الدستور وتعديل مواده، رأى مجلس النواب منتصف الأسبوع الماضي ضرورة إرجاء البت في التصويت عليه إلى الثالث عشر من أغسطس /آب الحالي.

وساهمت "المادة الثامنة" من المسودة في الإبقاء على تصاعد المشادات الكلامية بين النواب، حيث تنص على أنه "في حالة تم رفض الدستور من الشعب؛ فإن الهيئة التأسيسية لا تعتبر مسؤولة على تعديلها وعرضها من جديد... ومجلس النواب هو من سيشكل لجنة لصياغة مسودة الدستور في مدة أقصاها ثلاثة أشهر".

اتهامات متبادلة
وتزيد الاتهامات المتبادلة على "هامش المسودة" من تعقيدات المشهد السياسي في البلاد؛ إذ يرى فريق الرافضين لها أنها "معيبة"، و"كتبت بأيدي جماعة الإخوان في ليبيا، وتمهد لتيار الإسلام السياسي للانقضاض على السلطة"، لكن محمود الورفلي، عضو حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، رد على ذلك خلال مداخلة مع تلفزيون محلي، بالقول إن "ما يجري في البرلمان يمهّد لتشكيل لجنة من كل إقليم لتعديل مسودة الدستور، دون ضوابط معلومة".

واستقال نوح عبد السيد رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، نهاية الشهر الماضي قبيل ساعات من إقدام البرلمان على مناقشة المشروع.

ويُشار إلى أنه جرى انتخاب الهيئة مطلع 2014، وهي تتكون من ستين عضوًا، مقسمين بالتساوي على أقاليم ليبيا الثلاثة، طرابلس وبرقة "المنطقة الشرقية" وفزان "الجنوب"، وذلك بعد مقاطعة قبائل "التبو" و"الأمازيغ" المشاركة في انتخابات اللجنة، الذين قالوا إنهم لن يعترفوا بمن لا يعترف بهم، وهددوا بتحويل المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا إلى برلمان يعمل على إدارة شؤون الأمازيغ في جميع المناطق التي يقطنونها.

ثغرات قانونية
ومضى المريمي يقول إلى جريدة "الشرق الأوسط"، "إن قانون الاستفتاء، الذي لا يزال قيد التصويت في برلمان طبرق، يتضمن بعض الثغرات القانونية، منها النص على تقسيم ليبيا لثلاثة دوائر استفتاء، وهذا ما لم يعتمده الإعلان الدستوري".

وتابع المريمي موضحًا، أن ليبيا دائرة انتخابية واحدة، إذا ما اعتبر قانون الاستفتاء وقانون الانتخابات مفهوماً واحداً بالإعلان الدستوري؛ وهو ما يتطلب تعديلات بالمسودة، والإعلان الدستوري السابع، وكل ذلك يطيل أمد الأزمة، ويمنح جماعة الإسلام السياسي - المطالبة بذلك - مزيداً من الوقت.

وانتهى المريمي إلى أن هناك خياراً آخر يتمثل في القانون رقم (5)، الذي أصدره مجلس النواب عام 2014، الذي يقضي بانتخاب رئيس الدولة من الشعب مباشرة، مع تعديل بالإعلان الدستوري. لكن هذا التوجه غير مرحب به من طرف "أشخاص أصحاب مصلحة"، لكن دون تسميتهم.

واعتمدت المبادرة الفرنسية، التي رعاها الرئيس إيمانويل ماكرون، بحضور رئيس المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق الوطني" فائز السراج، والقائد العام للجيش الوطني المشير خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة خالد المشري، نهاية مايو/ أيار الماضي، ثمانية بنود، في مقدمتها تحديد جدول زمني لاعتماد الدستور، وتنظيم انتخابات رئاسية ونيابية في العاشر من ديسمبر / كانون الأول المقبل، واعتماد قانون الانتخابات من قبل البرلمان، وذلك بالتنسيق مع المجلس الأعلى للدولة، إضافة إلى التزام الأطراف كافة بنتائجها، ومحاسبة كل من يحاول عرقلة العملية الانتخابية.