القراءة والحنين إلى المستقبل
آخر تحديث GMT04:43:57
 العرب اليوم -

القراءة والحنين إلى المستقبل!

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - القراءة والحنين إلى المستقبل!

دمشق - سورية اليوم

فها أنا ذا أتشمَّمُ بشغفٍ رائحةَ الورق الأسمر المدموغ بأحرف رصاصِ الطباعة الرخيص في كتابٍ قديم أقتبسُ منه جملةً مهمة لـ«أنضّدها» هنا على جهاز الكمبيوتر؛ هذه الأداة السحرية القادمة من غوامض الخيال العلمي الذي بشّرنا به عمالقة الأدب أنفسهم حين كتبوا للأطفال قصصاً مدهشةً عن «مكناتٍ» عملاقة ستُدعى يوماً ما «كمبيوترات»، آلات على شكل صناديق عجائبية بإمكانها أن تحلّ لهم معضلاتهم العلمية والمعرفية بكبسة زر واحدة، واضعةً مئات المجلدات الورقية في مستودعات الماضي.

وها أنا، في الوقت نفسه، مع تأثير رائحة الورق المُسكرة أغوص في «النت» بحثاً عن معلومةٍ سريعةٍ أو عن روابطَ إلكترونية لتوسيع مدى البحث الذي أعمل عليه، كأنني مع ما أمثّله من جيلي، عالقون في برزخٍ انتقاليٍّ بين عالمين: عالمِ الورق الآيل إلى الزوال، وعالم التكنولوجيا التي بدأت تغزو حتى أحلامنا وجيناتِ أطفالنا.
لكن السؤال الأهمّ يكمن من زاوية نظر أخرى: فهل من المهم فعلاً إنْ نحن قرأنا من على شاشة إلكترونية تتراقص عليها الأحرف الرقمية وألوان الديجيتال أم إن فعلنا ذلك بكل العاطفة المتوهجة حين نقلّب كتاباً ورقياً سيصبح «لقيةً» نادرةً في المستقبل؟
والملاحظة الأكثر جدوى لا تكمنُ في «موت الكتاب الورقيّ» وركونه على رفّ الإهمال وتحت غبار الانتظار ليدٍ حنونة تقلّبه أو أيادٍ طائشةٍ تمزّقه وتُحرقه… بل تكمن فيما إذا كانت القراءة عموماً، وقراءة الأدب خصوصاً ستستمر في وقتٍ تعلن فيه حتى كبرياتُ دور النشر والصحف العالمية توقفها عن طباعة الورق مقابل تحقّق تلك النبوءة التي قالها يوماً ما مؤسّسُ «مايكروسوفت» بيل غيتس عن تحقيق رغبته في أن تسودَ شاشاتُ الكمبيوتر العالمَ «لإيقاف مجزرة صناعة الورق وقطع الغابات»!.
ربما لدى البعض منا حنينٌ موجع إلى زمن كنّا ننتظر فيه بلهفة كتاباً على شكل هديةٍ تجلب الفرح والعجائب وألغاز المستقبل محمولةً على صفحات ملونة بألوان قوس قزح، ننتظرها بكل صدق لا كما يفعل معظم أطفالنا اليوم إنْ أهداهم أحدٌ ما كتاباً يتقبلّونه على مضض وبسخرية واضحة مقلّلين من قيمته لاعنينَ صاحب الهدية وشاتمين حظّهم السيئ الذي جلب لهم مصيبةً بدلاً من جهاز موبايل هو هاتفٌ وكاميرا ومشغّل موسيقا ومخزن ألعابٍ إلكترونية في الوقت نفسه.
وربما لديهم كل الحق في أنهم خُلقوا لزمانٍ غير زماننا وما يصحّ الآن لم يكن ممكناً في أيام آبائهم، لكنهم بكل أسف فقدوا الإحساس بأهمية فكرة القراءة بحد ذاتها، فكرة أن لا غنى عن الكتاب ورقياً كان أم إلكترونياً مهما ارتقت بهم الثورة التكنولوجية وطيّرتهم إلى حدود اللا معقول.
وتبقى هناك أسئلةٌ هائمة في هذا الفضاء الافتراضي، فالأسئلة هي مفتاحٌ سحريٌّ لمغارات المعرفة المستعصية: إذ كيف كانت حياة البشرية لتكون لولا ما دوّنه البشر على رقوقهم أو صحفهم أو دفاترهم أو كمبيوتراتهم و«شاشات اللمس» خاصّتهم؟ لولا غواية الخلود التي همست لهم بها عفاريتُ الغرور، ولولا نرجسيّة أولئك الراغبين في نقش حكاياتهم على وجه التاريخ؟
هل هي الحكمة المدهشة اللانهائيّةِ الأسرار للوجود البشري؟ أم هي لعنة المعرفة وضريبة اكتشاف الأبجديات وطرق الكتابة؟ أم هي حماقة العقل البشري المتغاوي، المتعجرف، المعتقدِ بأنه «العارفُ» وأن معرفته ستخلّده أبداً… ولن تخلّده أبداً.

وقد يهمك أيضا" :

خطة للهيئة العامة السورية للكتاب لترجمة 200 كتاب للعربية

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القراءة والحنين إلى المستقبل القراءة والحنين إلى المستقبل



GMT 09:35 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الأربعاء 7 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 10:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 09:46 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 09:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 10:03 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الميزان 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 10:58 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 15:23 2019 الإثنين ,25 آذار/ مارس

عراقيل متنوعة تسيطر عليك خلال الشهر

GMT 08:51 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

الكشّف عن أدلة تُثبت وجود الحياة على كوكب "المريخ"

GMT 09:49 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

مهزلة .. فضيحة

GMT 14:32 2018 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

الفنانة روجينا تنشر صورة وهي تؤدي مناسك العمرة مع عائلتها

GMT 05:01 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محكمة إسرائيلية تقضي بسجن شاب أميركي مصاب بمرض التوحُّد

GMT 17:14 2018 السبت ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

الإعلامية داليا كريم تنهي مأساة أسرة عمرها سنوات

GMT 17:29 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تشكيل ناري لـ جنوب أفريقيا في مواجهة مصر

GMT 01:13 2019 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

مجلس الوزراء السوري يقر إجراءات لتأمين السلع

GMT 06:29 2019 الأربعاء ,31 تموز / يوليو

هل سيشارك عادل كرم في بطولة الهيبة مع تيم حسن

GMT 22:34 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الأهلي بطلا لكأس مصر لكرة اليد مواليد 2002
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24