«الخالة لطيفة»
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

«الخالة لطيفة»

«الخالة لطيفة»

 العرب اليوم -

«الخالة لطيفة»

سمير عطا الله
سمير عطا الله

في زماننا لم تكن لأشياء الزمان أسماء طبية. الحزن كان اسمه كآبة، لا اكتئاباً. والكآبة كانت شعوراً، لا مرضاً. والصداقة كانت مودة لا رحلة. ثم أصبح للأشياء سبب غير أسبابها. وصار اسم الحب علاقة، والغيرة في الحب منافسة، والعزول عدواً.

وكان الشاعر والملحن والمغني يلتقون في لوعة الوحدة شجناً وطرباً. فأصبحت الوحدة دراسة من عند النمساوي سيغموند فرويد، فماذا لو أن أخانا هذا انصرف إلى أجمل الموسيقى، مثل مواطنيه موزارت وشتراوس (الأب والابن)، ولم يربط كل العقد النفسية بالجنس. فكيف تحل اليوم مشكلة مَن لا جنس لهم، أو الذين لهم عدة أجناس؟ذكرت في هذه العزلة الجبرية امرأة عزباء كان بيتها في أول القرية. وكانت تجلس على عتبة بيتها طوال النهار. وكل من مر على الطريق سألته – حسب الاتجاه – إلى أين هو طالع أو نازل؟ ولماذا؟ ومن يلتقي أو من التقى؟ وينتهي الحديث. لكن المرأة المسكينة تتوسل المزيد: «وشو كمان». واليافعون لم يكونوا يعرفون أنهم أمام حالة إنسانية محزنة. امرأة وحيدة، إخوانها في المهجر، يتكرر النهار على عتبتها والليل في منزلها، وليس لها من دروب الحياة سوى من يمر بها على الدروب أمامها.

وعندما كبرتُ وأدركتُ ما معنى العزلة البشرية والمنازل الخالية، صرتُ كلما مررت أمام منزلها، أتوقف واخترع أجوبة طويلة لأسئلتها، واخترع أعراساً ذاهباً إلى حضورها، لكي أتيح لها أن تسألني عن الحضور والطعام والمشروبات.
كانت القرية برمَّتها تسميها «خالتي لطيفة». والآن في عزلة «كورونا» والدراسات والأبحاث عن عذابات العزلة، وكيفية مقاومتها بالعقاقير والرياضة والمسلسلات التلفزيونية، أتذكر الخالة لطيفة، وكيف كانت تبدد وحدة مدى الحياة ببضعة أسئلة على مارة الطريق. والطريق شبه خالٍ وبطيء. وهي لا مكان تذهب إليه، لا في الطلوع ولا في النزول. عمر بأكمله أمضته عند تلك العتبة.
يسقط أحدنا في الاكتئاب اليوم لسبب أقل بكثير من عمر كامل في الوحدة. هبط مبيع كل شيء حول العالم، إلا «الأدوية النفسية» فقد تضاعف. ولن تصدق هذا المشهد: رجل جالس على الشرفة طوال النهار وبعض الليل، يستمع إلى حركة السيارات. وقَلما تمر إحداها في النهار، ولا تمر إلا سيارة الجيش في الليل، مليئة بحراس الطمأنينة.

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الخالة لطيفة» «الخالة لطيفة»



GMT 17:14 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

مئويتان

GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 16:12 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 09:13 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 10:45 2019 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أنت مدعو إلى الهدوء لأن الحظ يعطيك فرصة جديدة

GMT 14:05 2020 السبت ,02 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 15:15 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

2- اجواء متقلبة في الجزء الأول من الشهر

GMT 16:00 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

وزراء المال الأوروبيون يناقشون موازنة إيطاليا

GMT 06:47 2019 الأربعاء ,17 تموز / يوليو

شعبة شركات الأمن والحراسة تشكيل لجان نوعية

GMT 09:10 2019 السبت ,09 آذار/ مارس

9 مارس 1919

GMT 09:57 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

التحالف الدولي يكشف عن عدد عناصر تنظيم "داعش" في هجين السورية

GMT 09:02 2018 الأربعاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

خُبراء يكشفون عن أفضل عُمر لتعلُّم وإتقان اللغات الأجنبية

GMT 06:24 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

راغب علامة يصور كليبًا جديدًا في مدينة كييف

GMT 20:30 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

"سوق السفر العالمي" ينطلق افتراضيًا في تشرين الثاني 2020

GMT 13:35 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24