تغول السلطة التنفيذية
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

تغول السلطة التنفيذية

تغول السلطة التنفيذية

 العرب اليوم -

تغول السلطة التنفيذية

بقلم - مصطفى الفقي

مصر مجتمع نهرى مركزى قديم، عرف الإدارة منذ فجر التاريخ بسبب توزيع مياه النيل والدخول مبكرًا فى العصر الزراعى، لذلك كان طبيعيًا أن تكون السلطة التنفيذية هى أقوى السلطات الثلاث فى تاريخنا الطويل، بل إن الماضى القريب يؤكد هذا المعنى، فلكى يكون «فؤاد باشا سراج الدين» سكرتيرًا عامًا لحزب الوفد مع «النحاس باشا»، فذلك لأنه كان وزيرًا للزراعة ثم وزيرًا للداخلية، كذلك فإن د.«يوسف والى» حينما كان أمينًا عامًا للحزب الوطنى، فإن من مبررات ذلك الموقع منصبه كوزير للزراعة، فالعمل السياسى فى مصر إن لم يتم تطعيمه بمظاهر السلطة التنفيذية فلا جدوى منه، إنها حقيقة مؤلمة ولكنها تعبر بصدق عن تغوّل السلطة التنفيذية فى تاريخنا الوطنى، حتى إن دساتير مصر الحديثة قد وضعت رئيس الجمهورية على قمة السلطة التنفيذية أيضًا برغم أنه الحكم بين السلطات الثلاث - القضائية والتشريعية والتنفيذية - واضعين فى الاعتبار أن المواطن المصرى فى الريف والحضر يفضل (اللعب فى السليم) ويراهن دائمًا على السلطة و(يتمرغ دائمًا فى الميرى)، ذلك ميراث دهرى يصعب تجاهله، ولعلى أطرح هنا الملاحظات الآتية:أولًا: قد يظن البعض أن تغول السلطة التنفيذية ظاهرة قاصرة على التاريخ الوزارى للدولة المصرية ولكن واقع الأمر يختلف عن ذلك، لأن تغول السلطة التنفيذية يبدو ظاهرة عامة، إذ إن الجيش والشرطة يتبعان بالضرورة الحكومة القائمة، ولذلك فإنه من العبث تصور أن يكون دور الحكومات شكليًا فى مواجهة السلطتين التشريعية والقضائية، وبالنسبة لمصر تحديدًا فإن الأمر له خصوصيته، إذ إن تكوين الدولة المصرية تاريخيًا وجغرافيًا يتسم بالسيطرة على الوادى والدلتا، لأن الصحراء الواسعة فى الشرق والغرب هى حواجز مانعة تسمح للإدارة بأن تحكم قبضتها فى الداخل وتجعل الحديث عن تغول السلطة التنفيذية أمرًا طبيعيًا.ثانيًا: إن جغرافية مصر جعلت التوزيع السكانى متوائمًا مع التقسيم الإدارى للسلطة التنفيذية دون حواجز كبيرة، وبالتالى فإن الأرض المنبسطة وشبكة الرى المتفرعة تجعل من الدولة المصرية نموذجًا للتقسيم الإدارى الذى يتسم بالإحكام والقدرة على ضبط مياه الرى وتحديد مواسم الزراعة والاندفاع نحو مجالات التطور الحديثة، وفى مقدمتها التصنيع واستخدام التكنولوجيا فى الحياة اليومية، لذلك تبقى السلطة التنفيذية فى النهاية هى مركز الثقل فيما أشرنا إليه.ثالثًا: إن مصر دولة ملتقى، وهى بوتقة انصهرت فيها حضارات متعاقبة وثقافات وافدة وديانات مستقرة، لذلك فكان من الطبيعى أن تصبح السلطة التنفيذية تعبيرًا عن الولاء للحاكم فرعونًا أو ملكًا أو رئيسًا ولا يمكن الخروج من هذا النمط التاريخى، لأن طاعة ولى الأمر هى تقليد مصرى لم يخرج عليه الشعب إلا فى مناسبات تتصل بالقهر السياسى أو غياب العدالة الاجتماعية أو شيوع الفساد.رابعًا: لقد علّمت مصر الدنيا أصول التقاليد البيروقراطية وزرعت لدى الجميع شعورًا قويًا بأن الإدارة المركزية هى صيغة أفضل للدولة المتجانسة وقد لا يكون ذلك صحيحًا على إطلاقه، ولكن ذلك هو ما حدث لأن النظام الإدارى المصرى هو وريث لنظم عتيدة من الفرعونية إلى العثمانية، وصولًا إلى التأثر بالبيروقراطية البريطانية المعروفة، فالإنجليز يسمون (الواسطة) Reference - مرجعية – و(الرشوة) gift – هدية - ولقد التقط المصريون جزءًا من نمط التفكير البريطانى على قلة ما التقطوه من ذلك المحتل.خامسًا: إن حجم الفرد فى التاريخ المصرى منذ العصر الفرعونى كبير ومتميز وتدور فى فلكه المؤسسات ويتطلع إليه الأفراد، وذلك تقليد موروث عرفته مصر عبر عصورها المختلفة، لأن الفرد فى مصر غالبًا ما يكون أكبر من المؤسسة ذاتها، سواء أكانت تلك المؤسسة صغيرة أو كبيرة أو حتى دولة، وذلك يعنى أن من يحكم هو من يدير تلقائيًا دورة الحياة ويصرف شؤون المؤسسة التى يديرها، كما أنه يظل دائمًا رمزًا للسلطة التنفيذية التى تملك حق المنح والمنع وتتعامل دائمًا وفقًا لمعايير الخلفية التاريخية لهذا الوطن العريق.إن تغول السلطة التنفيذية ليس ظاهرة عابرة فى تاريخنا، ولكنه مظهر متأصل عرفناه عبر القرون وقد يظل كذلك لعقود قادمة.

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تغول السلطة التنفيذية تغول السلطة التنفيذية



GMT 15:47 2020 السبت ,11 تموز / يوليو

اسرائيل تعاني ونتانياهو يعتمد على اليمين

GMT 17:16 2020 الخميس ,09 تموز / يوليو

الكونغرس لا يريد بيع السلاح الى العرب

GMT 16:25 2020 الثلاثاء ,07 تموز / يوليو

أخبار من السعودية والولايات المتحدة وأوروبا

GMT 13:15 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

معارضة عزم اسرائيل ضم الضفة الغربية

GMT 15:24 2020 السبت ,20 حزيران / يونيو

كتاب ومقال أعرضهما على القراء

GMT 10:58 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 11:03 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 13:42 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 10:11 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 09:35 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الأربعاء 7 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 10:58 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تجد نفسك أمام مشكلات مهنية مستجدة

GMT 15:56 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:44 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تنفرج السماء لتظهر الحلول والتسويات

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 13:28 2020 السبت ,02 أيار / مايو

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 14:56 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أحوالك المالية تتحسن كما تتمنى

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 11:12 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 09:35 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتعد عن النقاش والجدال لتخطي الأمور
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24