أشياء صغيرة  أحلام كبيرة
آخر تحديث GMT04:43:57
 العرب اليوم -

"أشياء صغيرة" ... "أحلام كبيرة"

"أشياء صغيرة" ... "أحلام كبيرة"

 العرب اليوم -

أشياء صغيرة  أحلام كبيرة

عريب الرنتاوي
عريب الرنتاوي

لم يخطر ببالي من قبل، أن يوماً سيأتي عليّ، تستحيل فيه "الأشياء الصغيرة" إلى "أحلام كبيرة" ... أكره الحلاقة، الرأس والذقن، وأمقت الجلوس على كرسي الحلاق، والاستماع إلى "طقطقة" مقصاته... جُل ما اتمناه اليوم هو الذهاب إلى صالون صديقي "حاتم"، والاسترخاء فوق معقده، وتركه يعبث كيفما يشاء، وقدر ما يشاء، بشعر الرأس واللحية.
 
... أنا الذي بتُّ على قناعة راسخة بأن أحد أسباب ارتفاع الضغط والسكر لدي، إنما يعود للازدحام المروري وسوء قيادة كثيرٍ من الأردنيين لسياراتهم، بتّ أتوق لاجتياز "الدواوير" من السابع وحتى الثالث، في طريقي من البيت إلى المكتب ... أنا الذي لم أكن متعلقاً لا بـ"سياقة" السيارة ولا بالمكالمات الهاتفية المطولة، صرت انتظر بفارغ الصبر، لحظة جلوسي خلف مقود سيارتي، واستمتع بإجراء المكالمات الهاتفية والمصورة، لكأنها البرهان الوحيد الذي بقي لي على كوني "كائن اجتماعي".
 
أنا الذي انتظرت أيام "الجُمع" بفارغ الصبر، لممارسة "طقوس الكسل والاسترخاء"، بت لا أكترث بأيام الأسبوع، فجميعها نسخة طبق الأصل عن بعضها... لست ممن اعتادوا إخذ الاجازات الطويلة، ولا أذكر مرة أنني لزمت المنزل لأكثر من يومين أو ثلاثة أيام منذ ان كنت طالباً في الإعدادية ... أمضي اليوم قرابة الخمسة أسابيع، لم أبرح فيها عتبة منزلي إلا مرات محدودة، لشراء بعض الحاجيات، واستذكار وجوه الناس والجيران.
 
لست ممن عاشوا حياة مترفة، شهدت حروباً ومعارك، ومررت بفترات احتجاز لحريتي وحركتي، لكن ما نمر به اليوم، من "عزل" و"حجر" و"حظر"، أقسى منها جميعاً، بما فيه تلك الأيام التسعين التي قضيتها في بيروت الاجتياح والحصار... كنّا نغتنم الهدوء بين غارتين جويتين، لاستئناف ما تيسر من حياتنا اليومية، وأذكر أنني قضيت اوقاتاً ممتعة مع رفاق وأصدقاء، نرقب أضواء الزوارق والمدمرات الإسرائيلية تجوب شواطئ بيروت ليلاً، وأذكر أنني وجدت متسعاً لشراء "بنطلون جديد" في "عزّ" الحصار، صحيح أنني قصرته باستخدام "المكبس"، لكنه مع ذلك ظل جديداً... هذه "المتعة" باتت متعذرة هذه الأيام كذلك.
 
باتت كلمات من نوع "تباعد اجتماعي" وتفادي المصافحة والعناق، تثير استفزازي وعصبيتي، مع أنني أكره عادة "التقبيل على الطالعة والنازلة" ... لكنني اليوم، أحن إلى تلك الأيام بزحامها وصخبها، وإلى احتكاك الأكتاف بالأكتاف، وجولات التقبيل والمصافحة، التي تبدأ من أول "الطابور" إلى آخره، وتشمل من تعرفه ومن لا تعرفه من الناس.
لم أقرأ الصحف الورقية منذ أعوام، حتى أنني لم أعد مشتركاً بأي منها، ولقد "نخر" الصدأ صناديقها المعلقة على مدخلي مكتبي ومنزلي، فقد اعتدت قراءتها منذ زمن، على "اللابتوب" أو "الآيباد" ... كم أحن لرائحة الورق والأحبار، وكم أتلهف لرؤية صديقي "السبعاوي" المحب بشغف لصدام حسين، بائع الجرائد على الدوار السابع، الذي احتفظت بعادة شراء الجرائد الصباحية منه، حتى بعد أن توقفت عن أخذها، مكتفياً بدفع قيمتها ... ثمة عادات لا تتغير، حتى وإن فقد مبررها وهدفها والغاية منها والسبب في تشكلها.
 
كم أشتاق لرشفة قهوة على رصيف مزدحم بالمارة، والاستمتاع بوجبة عشاء في مطعم لبناني مع الأهل والأصدقاء ... كم أنتظر "التسكع" في وسط البلد من جديد، مع أنني كنت أجد مشقة في فعل ذلك، فالبلد ضاقت بأهلها، ووسط عمان اليوم، ليس ذاك المخزّن في ذاكرتنا فتياناً وشبانا.
 
قاتل الله الفيروس اللعين، إذ بالرغم من صغره وحقارته، نجح في "تكسير أنوفنا"، وأرغمنا على التخلي عن عاداتنا وطقوسنا، ونبهنا إلى كل ما نفتقده اليوم، ولم نكن نشعر بقيمته بالأمس.

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أشياء صغيرة  أحلام كبيرة أشياء صغيرة  أحلام كبيرة



GMT 17:14 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

مئويتان

GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 13:09 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 13:35 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

لا رغبة لك في مضايقة الآخرين

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 17:24 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

إنتاج وتطوير قطع ومكونات السيارات الكهربائية

GMT 14:53 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على أجمل المنتجعات السياحية في ولاية فلوريدا

GMT 14:56 2018 الثلاثاء ,15 أيار / مايو

رولز رويس تطرح أولى سياراتها للطرق الوعرة

GMT 19:52 2019 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

روسيا تختبر طائرة الحلم الجديدة وتنفذ أول تجربة تحليق لها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24