تذكير لطيف
آخر تحديث GMT04:43:57
 العرب اليوم -

تذكير لطيف

تذكير لطيف

 العرب اليوم -

تذكير لطيف

سمير عطا الله
سمير عطا الله

لا تعرف في هذه الحياة من أين تأتيك دروسها. لذلك نكرر مدى العمر حكمة صديقنا من البحرين، طرفة بن العبد، «ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً... ويأتيك بالأخبار من لم تزوّدِ». وقد رويت هنا غير مرة، كيف كنت أتمشى في الحديقة العامة في بروكسل فرميت من يدي ورقة في ذلك الفناء الواسع، فإذا بطفلة في حوالي الخامسة تلحق بي مسرعة وتلمّ الورقة وتضعها في يدي وتقودني إلى سلة القمامة، وتقول بشجاعة الملائكة: هذه مكانها هنا.

وكان ابني في حوالي العمر نفسه عندما كنا في الطريق من باريس إلى جنوب فرنسا. وتجاوزت السرعة قليلاً، فنبّهتني زوجتي إلى ذلك، فقلت لها، لا مراكز شرطة في هذه المنطقة. وتدخل الطفل المولود خارج لبنان ليقول لي: الشرطة موجودة لحمايتك، لا لمعاقبتك.

أول مرة جئت إلى باريس، كنت في العشرين من العمر. وكنت أتنقل في المدينة تحت الأرض: المترو. وكان المترو لا يزال عتيقاً وخشبياً ومؤدباً، وعلى جميع جدرانه إرشادات إلى الركاب، أهمها ملصق بلغة الأمر: أولوية الجلوس للمتقدمين في السن وللسيدات. ولذلك كنت أعبر المدينة واقفاً. وكنت سعيداً لكوني أفعل ما يفعله المتحضرون.
وجاء زمن لم أعد أركب المترو، لكن الدرس ظل محفوراً: الأولوية لكبار السن والسيدات. وكنت أتبع القاعدة حيث توجب الأمر: في المطارات، في الاجتماعات، وفي غيرها. لم أدرك تقدمي في السن إلا مؤخراً: أقف على مدخل الطائرة فيرفض الآخرون أن يتقدموني. وأهم بالنزول فيصرّ الجميع أن أتقدمهم. وفي السنوات الأخيرة تطورت آداب الرفاق المسافرين إلى ما هو أبعد في اللياقة واللطافة. صرت ألاحظ أن جيراني الشباب على الطائرة يحرصون على مرافقتي حتى حزام تسلم الحقائب. ويراقبون حركتي بكل تهذيب. وما أن ألمح حقيبتي وأندفع لحملها حتى يسبقني واحد أو أكثر ليحملها عني ويضعها في العربة أمامي.

إن هذا دليل ماذا؟ إنه يا هذا، دليلان: الأول، آداب المسافرين الذين كنت في عمرهم ذات يوم، أو بالأحرى ذات زمن. والثاني أن مظهر التقدم في السن أصبح في حد ذاته نداء مساعدة. إنه درس المترو، تطبقه الآن أجياله الحاضرة. ولكن أيضاً هذه اللطافة القصوى هي على نحو ما، ليست اللطافة القصوى، هي تذكير بذلك الانتقال الحتمي من فئة الذين يقدمون مقعدهم إلى فئة الذين ترق لهم قلوب الشبان على وزن حقيبتهم.

هل تدري من أين أيضاً يمكن أن تأخذ دروساً في أدبيات ومودات الحياة؟ من بلاد طرفة، من البحرين. بلد اللياقات واللطافات.

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكير لطيف تذكير لطيف



GMT 17:14 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

مئويتان

GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 10:03 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الميزان 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 09:50 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 09:35 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الأربعاء 7 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 13:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 06:38 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

نصائح خاصة تساعدك على تكوين شخصية متزنة لطفلك

GMT 18:17 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

أبوالعزم يلتقي القاضية سامية كاظم في العراق

GMT 06:35 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

لاغارد تؤكّد أنّ احتجاجات فرنسا تُؤثِّر على الاقتصاد

GMT 09:03 2018 السبت ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل فنادق جليدية في العالم لقضاء شهرعسل ممتع

GMT 09:46 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 00:40 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

زلزال قوته 7.5 درجة يضرب جزر تانيمبار الإندونيسية

GMT 00:38 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

شيخ الأزهر يُوجِه إلى محمد صلاح ثلاث وصايا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24