دار خارج المنزل
آخر تحديث GMT04:43:57
 العرب اليوم -

دار خارج المنزل

دار خارج المنزل

 العرب اليوم -

دار خارج المنزل

بقلم -سمير عطا الله

آخر مقاهي الأدباء والفنانين في بيروت كان «الهورس شو» في وسط شارع الحمراء. أغلقته الحرب الأهلية في السبعينات، وعندما انتهت عام 1989 افتتح صاحبه، منح الدبغي، مقهى آخر على بعد نحو كيلومتر، سماه «سيتي كافيه». وأصبح ممن بقي من الزبائن القدامى ضيوف المقهى الجديد، بداخله وشرفته: صحافيون ورسامون وسياسيون وممثلون. ومن أجل الاختلاط بهم، كان يتدروش أحياناً رفيق الحريري لتناول كوب من الجيلاتي.
غاب مداومو «السيتي كافيه» ومدمنوه من «الجيل الأكبر» واحداً تلو الآخر: الرئيس أمين الحافظ والمفكر منح الصلح والزميل نبيل خوري وغيرهم، وغابت معهم روح المقهى في صورته الفكرية، وبعد قليل دبّ السأم والكبر في منح الدبغي، فأغلق المقهى وتقاعد، وأخذ معه اللوحة التي تضمّ صور روّاد «الهورس شو» ووريثتها وما كتب عنهما عبر سنوات بيروت الجميلة.
وبدورهم تفرّق الروّاد وأصبح معظمهم من دون مقهى أو ملتقى. ولا أعرف أين أذهب فلم يعد لي مقهى دائم. قبل الحرب كنّا نداوم في «الهورس شو» الليل والنهار وما بينهما، لأنها تبعد عن مبنى «النهار» نحو خمسمائة متر. وبعد الحرب اقتصر دوامي في «السيتي كافيه» على غداء كل خميس مع أمين الحافظ. وكان يحضر أيضاً أحمد شوقي، الذي يحفظ أمين، كل إمارته.
مع إغلاق «السيتي كافيه» انتهى، بالنسبة إليّ، زمن المقهى. وكان زمناً ممتعاً يظنّ المرء أنه يبدد فيه وقته وهو في الواقع يفيد منه. إنه منبر روما القديمة. وفيه كنّا نتناقش في السياسة والأدب والفنون والشعر. وكان ضيوف بيروت من منفيين سياسيين ومنفيين أدباء يشعرون بألفة ووحدة حال مع هذا الصف المتنوع من واجهة الثرثرة البيروتية. وكان يحضر الآيديولوجيون أخفاء وظرفاء وثقلاء مثل مستحقات آخر الشهر. وكأن بعضهم يسمى «الكمبيالة»، أي سند الدفع. وفي مثل ذلك العمر كانت كل الديون جائزة بما فيها الاستدانة من منح الدبغي، أو حتى من كبير النوادل.
إلى حدٍّ كبير، كان المقهى جزءاً من البيت. أو من المكتب. إنه ثالثهما في كل حال. وكان الأصدقاء الذين يأتون من العالم العربي يتوجهّون مباشرة إلى «الهورس شو» من دون هاتف مسبق. لم يكن أحد قد تخيّل الجوال آنذاك. وقد أمضيت السنوات الأولى من الزواج من دون هاتف في المنزل، لأن الحصول عليه كان صعباً ويتطلب وساطات كثيرة.
جميع المواعيد الآن في مطعم. لا مجال لأن تلتقي صديقاً من دون ثلاثة آلاف وحدة حرارية. وأين المطاعم من أنس المقاهي. وخصوصاً من «سترتها». كلما كنت أسأل منح الدبغي: «كيف الشغل» يقول: «الحمد لله، الصحة منيحة، أما الشغل فكيف تتوقع أن يكون على ثمن فنجان قهوة».
ما زال المقهى مزدهراً في القاهرة. أو في مصر عموماً. ثمة حصة صغيرة لي، وثمة حصة أخرى في باريس. المساء في السان جرمان.

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دار خارج المنزل دار خارج المنزل



GMT 15:47 2020 السبت ,11 تموز / يوليو

اسرائيل تعاني ونتانياهو يعتمد على اليمين

GMT 17:16 2020 الخميس ,09 تموز / يوليو

الكونغرس لا يريد بيع السلاح الى العرب

GMT 16:25 2020 الثلاثاء ,07 تموز / يوليو

أخبار من السعودية والولايات المتحدة وأوروبا

GMT 13:15 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

معارضة عزم اسرائيل ضم الضفة الغربية

GMT 15:24 2020 السبت ,20 حزيران / يونيو

كتاب ومقال أعرضهما على القراء

GMT 16:46 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 14:04 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

تطرق أبواب الحكومات أو المؤسسات الكبيرة وتحصل على موافقة ما

GMT 09:27 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تتمتع بسرعة البديهة وبالقدرة على مناقشة أصعب المواضيع

GMT 15:08 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ابرز الاحداث اليومية عن شهر كانون الثاني 2020

GMT 10:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 12:34 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 18:27 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع عدد قتلى حرائق ولاية كاليفورنيا الأميركية إلى 23 شخصًا

GMT 13:49 2018 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

ليستر سيتي يرتدي قمصانا خاصة حزنًا على رحيل مالك النادي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24