أميركا انقسام أمة
آخر تحديث GMT04:43:57
 العرب اليوم -

أميركا... انقسام أمة

أميركا... انقسام أمة

 العرب اليوم -

أميركا انقسام أمة

جبريل العبيدي
بقلم - جبريل العبيدي

في أميركا لم ينجح انتخاب الأسود أوباما ولا انتخاب الأبيض ترمب في توحيد الأمة الأميركية المنقسمة لتاريخ طويل، فقد أظهرت هذه الانتخابات ما كان مخفياً لزمن فوق انقسامات سياسية ومجتمعية حادة تعود لزمن ما قبل الاستقلال ونهاية الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، وكرست الانقسامات انقساماً مجتمعياً حاداً في الداخل الأميركي وصراع الليبراليين والمحافظين، بسبب الحزبية المفرطة.

فالدولة العميقة والتخوف من سيطرة الحزبين الأميركيين مؤشر مهم على أن أميركا أمة منقسمة، وكما قال لي دروتمان، مؤلف كتاب «كسر الحلقة المفرغة لنظام الحزبين»: «انقسام الولايات المتحدة إلى حزبين كبيرين أمر يُخشى منه بوصفه شراً سياسياً عظيماً»، فالديمقراطية والانتخابات الأميركية رغم وصول رئيس أسود مثل باراك حسين أوباما، فإنها لم تنجح في ردم الفجوة بين الليبراليين والمحافظين والبيض والسود، فتكررت اليوم الاعتداءات على السود بمقتل الكثير منهم على يد رجال الشرطة بدم بارد لأن الأميركي الأسود (أوباما) ببساطة لم يعمل كموحِّد لجميع الأعراق والثقافات بسبب أن ما أوصله للحكم هو حزب لا يتبنى سياسة إذابة الفوارق بشكل حقيقي، إنما في حالة صراع مع حزب آخر هو مَن أوصل ملياردير شعبوي للحكم.

البحث عن الدولة أو المدينة الفاضلة في أميركا يعد نوعاً من إهدار الوقت، فاليوتوبيا حلم مفقود في قارة كريستوفر كولومبوس. فأميركا مثقلة بتاريخ إبادة ثمانية عشر مليوناً من الهنود الحمر (السكان الأصليين)، وثورة الزنوج والعبيد، وتاريخ 400 سنة من حروب المستضعفين، رغم أن هؤلاء السود هم شركاء حرب الاستقلال الأميركي.

الانقسام الأميركي انعكس في التشكيك في الانتخابات الأميركية، التشكيك غير المسبوق بهذا الحجم، لدرجة تبادل الاتهام بـ«التزوير» والحديث عن سرقة الانتخابات وتصويت قاصرين وحتى موتى، ناهيك بأصوات «مزوّرة» جُلبت بالبريد بعد انتهاء الحق في التصويت، واتهامات بمحاولة اقتحام مراكز الفرز وإتلاف الأصوات، وفق اتهامات متبادلة بين المعسكرين الجمهوري والديمقراطي، أعادت للأذهان عقلية الانتخابات لدى بعض بلداننا، وأظهرت حقيقة وحجم الانقسام في الداخل الأميركي، فعلى الرغم من المشاركة غير المسبوقة لأكثر من 120 عاماً لم تستطع أن تخفي الانقسام الشديد بين أنصار رمز الفيل ورمز الحمار، وظهور تصريحات تتناقض مع المسار الديمقراطي المعهود والتلويح بعدم تسليم السلطة بسلاسة.

الانتخاب في أميركا هو انتخاب حزبي، لكنّ الانقسام الحاد هو في شخصنة الانتخابات بين شخصَي المرشحين.

في أميركا أدلى 100 مليون ناخب تقريباً بأصواتهم بالفعل قبل يوم التصويت، رغم أن الآلية التي يعمل بموجبها النظام الانتخابي الأميركي سبب احتمال أن يفوز أحد المرشحين بأغلبية الأصوات على المستوى الوطني (الأميركي) ولكنه قد يخسر الانتخابات مع ذلك، لأن الأميركيين يصوّتون على مستوى الولايات لا على المستوى الوطني.

التخوف غير مبرر إذ أن الموضوع الانتخابي هو برنامج حزبي بحت، والحزبان يتقاسمان أميركا فكرياً وسياسياً ولم يستطع حزب آخر ثالث أن يخفف من حالة الانقسام بين هذين الحزبين، ولم تستطع أميركا من ثم تجنب الحزبية المفرطة، ما أسهم في توسع الفجوة الحزبية.

سباق الانتخابات الأميركية يقابله قلق دائم ومستدام في الشرق الأوسط، خصوصاً في ظل علاقة الديمقراطيين بجماعات الإسلام السياسي، ذاكرة مشروع أوباما لتوطين هذه الجماعات في منطقة الشرق الأوسط عقب مشروع الفوضى الخلاقة الذي يُتهم به الديمقراطيون.

السياسات الأميركية ومعالجة انقسامات الداخل كانت دائمة مثار انتقاد كبير، وهذا ما قاله قديماً السيناتور فولبرايت: «لقد أصبحت أميركا (المجتمع المريض) ومن عوارض هذا المرض محاولتها معالجة حرب فيتنام وحرب ديترويت بوسائل بالية».

فخلال حكم ترمب، اعتمدت سياساته على المتناقضات واستبدال المفاهيم، من تعاطٍ مع حلفاء إلى تعامل مع منافسين، ومن سياسة تبادل المصالح إلى سياسة الدفع المسبق، ولا مكان للمجانية، بل الابتزاز هو سيد الموقف.

التعددية والتنوع لم يمنحا أميركا الحصانة من الخشية الكبرى، وهي انقسام الأمة الأميركية إلى أمم ممزقة منقسمة، وهذا واضح المعالم في محاولات تقاسم الجغرافيا السياسية في البلاد بين حزبين هرمين لم ينجح أيٌّ منهما في إعادة حالة الاتحاد للأمة كما تمناها الآباء المؤسسون. أميركا اليوم بين خطرين أحلاهما مُرّ: انقسام الجمهورية أو الأمة.

أياً كان الفائز، ترمب أم بايدن، فالأزمة تتجاوز الشخصين في جذورها.

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا انقسام أمة أميركا انقسام أمة



GMT 17:14 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

مئويتان

GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 15:57 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 10:58 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 17:28 2018 الجمعة ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

باهر المحمدي يضيف الهدف الثاني لمصر في شباك تونس

GMT 14:39 2020 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أغراض و مستلزمات جهاز العروس بالتفصيل

GMT 16:20 2018 الثلاثاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

مصدر يؤكد اتفاق عمرو دياب مع "روتانا " من جديد

GMT 19:04 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

إصابة سائحة روسية وابنتها بـ"مرض النوم" في زنجبار

GMT 07:05 2020 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

٧ أخطاء تجنبي الوقوع فيها عند تجهيز منزل الزوجية

GMT 16:38 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

"جاموفوبيا" مجموعة قصصية جديدة لـ "محمد متبولي"

GMT 00:52 2020 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

الحرس الثوري يحذر أميركا من الرد على قصف قاعدة "عين الأسد"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24