شكل الحياة بعد الوباء
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

شكل الحياة بعد الوباء

شكل الحياة بعد الوباء

 العرب اليوم -

شكل الحياة بعد الوباء

آمال موسي
آمال موسي

تعالت بعض الأصوات المفكرة والمنتمية للمثقفين إلى القول بثقة عالية إنّ العالم بعد تفشي فيروس «كورونا» وما فعله في الإنسانية حتى الآن لن يكون هو نفسه بعد الوباء.

المزعج قليلاً في هذا الخطاب كمية الثقة الزائدة باعتقادنا، خاصة أننا في قلب الأزمة وما زال العالم في طور الحرب ضد هذا الوباء. فالحديث عن تغير العالم يطرح أمامنا تسونامي هائلاً من الأسئلة: ما الذي سيتغير في العالم؟ هل التغيير سيشمل جميع مكونات عالم اليوم وأبعاده؟ ما الذي سينتهي وما الذي سيبدأ بعد «كورونا»؟

طبعاً كل هذه الأسئلة تقوم على مسلّمة أن العالم سيتجاوز هذه الأزمة وسينتصر على الوباء وإلا فلا معنى لخطاب ما بعد «كورونا». ولولا الأخبار الإيجابية الوافدة من الصين لقلنا إن هذه المسلّمة يجب أن تتحول إلى فرضية. من ناحية ثانية فإن تصديق هذا الخطاب والتماهي معه يفترض أيضاً أن الأزمة ستكون طويلة ومنهكة وعامّة بشكل أنها تنجح فعلاً في جعل العالم يتغير، إذ الأزمات القصيرة مهما كانت حادة ومفجعة لا تغير العالم.
كي نحسن التعاطي مع فكرة أن العالم سيتغير بكل «كورونا»، فلا غنى عن التاريخ وتصفح ورقاته، خاصة العاصفة منه مثل الحروب وتاريخ البشرية مع الأوبئة والمجاعات. فهذا الوباء يفتح الذاكرة على مصراعيها في هذا الاتجاه. ما سنجده أن كل أزمة غيّرت في العالم وموازينه وأعادت بناء نظام العالم، ولكن أي جزء من النظام نقصد؟ هل المقصود بتغير العالم فكرة حكام العالم الجدد وبالتالي النظام العالمي في بعده السياسي، أم المقصود كل العالم من منطلق أن الوباء الراهن فتك بالجميع ولا يستهدف فقط الفقراء والبلدان الضعيفة؛ ميزانية وتجهيزات طبية؟
يقول التاريخ، وهذا ما توقف عنده مفكرو خطاب العالم ما بعد «كورونا»، إن الأزمات الكبرى في التاريخ قادت إلى تراجع جاذبية المقدس وهرعت الإنسانية نحو العلم لتتحصن بما قد يقيها شر الطبيعة وخوف الإنسان الأزلي منها. فالمنجز العلمي وحتى الفني الثقافي ليسا من أجل تفاخر الإنسان بنفسه في العالم بقدر ما كانا من أجل قهر الطبيعة والدفاع عن ضعفنا أمامها. كل ما ابتكره الإنسان بدءاً من فكرة الكوخ ثم البيت... كان كي يحمي نفسه من العواصف والبرد والحر. ولكن نسي الإنسان قصته الأولى مع الطبيعة وكاد يحسم انتصاره عليها لولا ما يحدث من حين إلى آخر من فيضانات وزلازل.
انشغل الإنسان بحربه مع الإنسان ونسي حربه مع الطبيعة، أو لنقل إنه قد أعتقد أنه قد تمكن منها ولم تعد خطراً ولغزاً. هذا خطأ أول. أما الخطأ الثاني، فإنه يتمثل في اعتداءات الإنسان على الطبيعة واستهانته بها وهو يحارب غيره.
إذا كان المقصود أن العالم سيتغير بعد «كورونا» من ناحية نظام العلاقات الدوليّة فهذا الأمر نسبي جداً لأن الأزمات التاريخية الكبرى عرفت تغيراً أيضاً، ولا ننسى أن «الكورونا» ليس الأول من نوعه تاريخياً. عرفت البشرية الحرب العالمية الأولى والثانية وكل التغيير هو صعود دول واستقلال أخرى وظهور حقوق الإنسان، ولكن إلى حدود أيام قليلة بعد «كورونا» كنا نتحدث عن تغير شكل الاستعمار وأنه أصبح مقنّعاً وبات يتسلل مالياً واقتصادياً أي أن الجلد فقط الذي يتغير.
ربما ما قد يطرأ على العلاقات الدولية تغيير لأن الدول المسماة قوية لم تقم بدورها في هذه الأزمة وظهرت محدودية أبوتها للعالم وسقطت فكرة نهاية التاريخ أيضاً، إذ الليبرالية الرأسماليّة هي التي أغضبت الطبيعة واجتهدت في إهاناتها بشتى الأسلحة الفتاكة. فصورة الرأسماليّة اليوم سلبية. بل إن الثقافة المادية الاستهلاكية ومفاهيم السلعة والتشيؤ والعولمة قد أرهقت الإنسانية وخلقت خللاً كبيراً ورأينا كيف تحولت التمثلات سريعاً وتراجعت أهمية التعليم والثقافة وبات لاعب الكرة ونجوم غناء الأكلة الخفيفة هم المراجع في المجتمعات، في حين أن المفكر والأديب سلب منهما الدور ويعيشان على الهامش ويتقاضى الرياضي الشهير أجراً خيالياً. حصل انقلاب في كيفية تمثل القيم والمراجع. وهو انقلاب أفرغ المعاني من معانيها. خلق نوعاً من الفراغ نعبر عنه بالسطحية.
الأمل في صورة تغير العالم هو القطع مع الآيديولوجي. فالآيديولوجيا أصيبت بفيروس «كورونا» ولن تشفى منه لأن أصحابها والحاملين لدوغمائيتها لم يفعلوا شيئا، أي أنهم بلا مشروعية وبلا دور. الأمل الأكبر هو أن الدور الاجتماعي للدولة الذي تمت الإطاحة به، وسُلمت رقاب الشعوب للخواص ورأس المال الخاص، سيعرف مراجعة حقيقية وعميقة. وطبعاً لا غنى عن المؤسسات العمومية في القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم.
بعد «كورونا» كما بعد كل وباء ينتعش الفكر والعلم وأغلب الظن أن التعليم سيستعيد وجاهته بكل تخصصاته الإنسانية والاجتماعية والتجريبية.
فالعالم لن يتغير إلا إذا تغير الإنسان الذي لا يتغير بدوره إلا بعقله. ومع ذلك فالعالم قد يتغير. لا شيء مؤكد حتى الآن.

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شكل الحياة بعد الوباء شكل الحياة بعد الوباء



GMT 17:14 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

مئويتان

GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 10:58 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 11:03 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 13:42 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 10:11 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 09:35 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الأربعاء 7 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 10:58 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تجد نفسك أمام مشكلات مهنية مستجدة

GMT 15:56 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:44 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تنفرج السماء لتظهر الحلول والتسويات

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 13:28 2020 السبت ,02 أيار / مايو

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 14:56 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أحوالك المالية تتحسن كما تتمنى

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 11:12 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 09:35 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتعد عن النقاش والجدال لتخطي الأمور
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24