هل يُحاسب العالم الصين
آخر تحديث GMT04:43:57
 العرب اليوم -

هل يُحاسب العالم الصين؟

هل يُحاسب العالم الصين؟

 العرب اليوم -

هل يُحاسب العالم الصين

آمال موسي
آمال موسي

رغم أن جائحة فيروس «كورونا» من أقوى المحن التي عرفتها البشريّة في العصر الحديث، ورغم أن عدد الموتى بدأ يقترب من 200 ألف، فإن غالبية الكتابات تركز على أزمة الرأسمالية المتوحشة، وتحملها المسؤولية فيما وصل إليه العالم من رعب وانقلاب في طريقة العيش والتواصل، إضافة إلى المستقبل الغامض. بل إن هناك من لم يرَ من الأزمة سوى الضربة التي تلقتها إدارة الرئيس دونالد ترمب، وتفشي الوباء في الولايات المتحدة بشكل يكاد يتجاوز كل البقاع التي سجل فيها فيروس «كورونا» انتصاراً.

طبعاً مفهوم جداً نقد الرأسمالية المشطّة وهي تتحمل مسؤولية كبيرة في فرض نمط حياة واجتماع ماديين؛ مما أثر على القيم والنّظرة إلى الإنسان التي أصبحت مُتشيئة. كما أن نقد الولايات المتحدة هو تقريباً عمل نقوم به باستمرار ومن دون هوادة منذ زمن طويل بصرف النظر عن النتائج. الآن الولايات المتحدة هي بصدد الوقوف عند تداعيات ممارسة الرأسمالية بتوحش وإهمال الجانب الاجتماعي للدولة، وغير ذلك من الدروس. ونظن أن قيمة المواطن الأميركي ستُجبر الإدارة على اقتلاع البعض من أنياب الرأسمالية المتوحشة.
منذ تاريخ بداية تفشي الوباء في العالم كان يجب أن تكون الصين موضوع النقد الشديد. ونحن في هذه الأزمة العالمية الخانقة يجب أن تتوجه جميع السّهام نحو الصين، وتحديداً الحزب الشيوعي الصيني الحاكم. لكننا لم نفعل إلا قلة قليلة من الكتّاب في العالم، ربما نكاية في الرئيس ترمب الذي حمّل الصين المسؤولية. اختار الكثيرون الصمت ورفضوا الاصطفاف معه في الموقف نفسه. كما أن الصراع الأميركي - الصيني، إذا جاز الوصف، لعب دوره في تغذية فكرة المؤامرة، حيث ذاع في بداية انتشار الفيروس أن «كورونا» ظهر في الصين تحديداً هذه القوة العظيمة المهددة للقوة الأولى في العالم بفعل فاعل، واتجهت أصابع الاتهام نحو الولايات المتحدة وها هو واقع تفشي الوباء وجغرافية تنقله يُسقطان سيناريو المؤامرة حتى لو كان السيناريو يردد في كواليس العالم وليس في شاشاته.
صحيح أن هناك أصواتاً وجهت إصبع الاتهام للصين، لكنها لم تكن مرتفعة أو بشكل أكثر دقة كانت هذه الأصوات ضحية هيمنة أصوات أخرى ذهبت بنا بعيداً عن أصل الموضوع، في حين أن المنطق يقول إن هذه الظرفية هي وقت تحميل المسؤولية للحزب الشيوعي الصيني بسبب ما جناه على العالم.
ليست المشكلة في ظهور الفيروس في مدينة من المدن الصينية، وإلا فإن الحديث سيكون بلا معنى. بل كل المشكل في كيفية تعامل الحزب الشيوعي الصيني مع خبر الفيروس وكتمانه ومعاقبة من يحاول نشره.
مع الأسف، الفكر الشيوعي الذي يؤله الدولة على حساب الأفراد هو الذي وضعنا في هذا المأزق. فالصين التي تحاول تطبيق شعار «نظام السوق الاشتراكية» التي تراجعت نسبياً عن تقديس أبي الشيوعية الصينية ماو تسي تونغ بدليل احتفالها شبه الباهت عام 2013 بذكرى ميلاده المائة والعشرين، لم تفلح في صياغة فكر متجانس مع انفتاحها الاقتصادي تسير على هداه. انفتحت الأسواق الصينية واستفادت من بعض مبادئ الفكر الرأسمالي وظلت تمسك بقبضة من حديد على الحريات. وهنا نكتشف الفرق بين الانفتاح وذهنية التوسع.
لم تكن الصين، وهي البلد الذي أصبح مثالاً في العمل والإرادة والعزيمة، واستفاد من رصيد العدوانية إزاء الولايات المتحدة... لم تكن في مستوى الأزمة في أولها وجنت على كل العالم بفقيره وغنيه وظالمه ومظلومه. ومرّد هذه الجناية أنها لم تكن من الشفافية والصراحة ما يؤهلها لإعلان خبر الفيروس وإغلاق حدودها ومجالها الحيوي منذ شهر ديسمبر (كانون الأول) المنقضي. بل العكس هو ما قامت به، حيث وبّخت الشرطة الصينية طبيب العيون الشاب الذي اكتشف الفيروس، وحققت معه بتهمة نشر أخبار خاطئة، ثم توفي الطبيب في فبراير (شباط) بسبب «كورونا».
إنّه مشكل الأنظمة الاشتراكية بشكل عام الشمولية، حيث هاجس تلميع الصورة والتحكم في نشر المعلومات كي لا يذاع إلا ما يخدم الأنظمة. بمعنى آخر، فإن مشاكل الفكر الشيوعي مع الحريّات هي التي جنت على العالم، ولو تمّ نشر خبر الفيروس منذ ديسمبر لما دخل الصين زائر واحد وما كان سينتشر، حيث إنه في الوقت الذي مارست فيه الصين الكتمان دخل بلادها قرابة سبعة ملايين ثم خرجوا، والكثير منهم حامل للفيروس. ولقد صرح عمدة مدينة ووهان نفسه تحت ضغط انتقادات سكان المدينة بأنه لم يعلن عن ظهور المرض بعد ظهور أول حالة في ديسمبر الماضي؛ لأنه لم يكن مخولاً الكشف عن هذه المعلومات إلا بتصريح من القيادة المركزية للحزب الشيوعي. ثم وبعد أكثر من ثلاثة أشهر من تاريخ أول ظهور لفيروس «كورونا» يوجه الرئيس الصيني رسائل متأخرة جداً عن فيروس «كورونا» إلى بلدان العالم، ويتحدث عن التضامن والتنسيق العالميين، مضيفاً أن الصين بوصفها عضواً دائماً في مجلس الأمن لها مسؤولية حماية أرواح وصحة الجنس البشري!
أظن أننا أمام مسؤولية أخلاقية لم تقم بها الصين إزاء العالم. كما أن خطابها المتأخر حول التضامن والتنسيق يتعارض مع ما قامت به من كتمان تسبب في تفشي وباء عالمي وحَجْر مليارات من الناس في بيوتهم، وهو السبب أيضاً فيما سيعيشه كل العالم من أزمة مالية اقتصادية لا أحد يعرف حدّتها. لذلك؛ فإن الإشادة بالمساعدات التي قدمتها لمنظمة الصحة العالمية مؤخراً، وأيضاً ما قامت به من مساعدات في إيطاليا وإسبانيا وغيرهما لا يعفيها من المسؤولية. بل إن جسامة التداعيات والتسبب في موت كل هذه الآلاف يحتم على العالم محاسبتها. ومن جهة ثانية، يجب أن تدرك الصين أن الانفتاح عملية شاملة والانفتاح الاقتصادي لن يدوم نجاحه الباهر ما دامت حرية التعبير تعاني من التضييقات، وما دام المدافعون عن حقوق الإنسان والمثيرون لقضايا الفساد يطاردون ويسجنون.
وكي لا ننسى؛ فإنه منذ أقل من ثلاث سنوات توفي الصيني الحائز جائزة نوبل للسلام ليو شياوبو في مستشفى تحت الحراسة المشددة في يوليو (تموز) 2017، ولقد قضى الراحل تسعة أعوام في السجن بتهمة التحريض على التخريب. بل إن النظام رفض طلب ليو شياوبو السماح له بالعلاج خارج الصين.
فهل سيحاسب العالم الصين، وكيف؟

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يُحاسب العالم الصين هل يُحاسب العالم الصين



GMT 17:14 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

مئويتان

GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 10:51 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الإثنين 6 أكتوبر/تشرين الأول 202

GMT 09:02 2019 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

تنتظرك تغييرات كبيرة في حياتك خلال هذا الشهر

GMT 11:34 2019 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدأ الاستعداد لبدء التخطيط لمشاريع جديدة

GMT 11:19 2019 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 11:12 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 13:01 2021 الجمعة ,15 كانون الثاني / يناير

زيدان يدافع عن هازارد عقب الهزيمة أمام أتلتيك بيلباو

GMT 14:43 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب والتدخل الروسي وقضية أوكرانيا

GMT 13:43 2020 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عشرات القتلى في جنازة قاسم سليماني

GMT 08:15 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

لوحات تحكي بلسان الأطفال في معرض لون وحب لسناء قولي

GMT 09:34 2019 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

انكماش الاقتصاد البريطاني بعد تدهور للخدمات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24