مصطفى خضر الشاعر الذي رأى بكى ومات
آخر تحديث GMT04:43:57
 العرب اليوم -

مصطفى خضر الشاعر الذي رأى.. بكى.. ومات!

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - مصطفى خضر الشاعر الذي رأى.. بكى.. ومات!

الشاعر مصطفى خضر
دمشق - سورية 24

لم يخطر ببالي أن الشاعر مصطفى خضر( 1944 – 2019 ) من كثرة ما عانى فقد الأحبة من عائلته وأصدقائه خلال هذه الحرب، والذي كنت أحسبه صلداً مثل حجارة حمص السوداء، لم يخطر ببالي أننا يمكن أن نفقده في يوم ما، بسبب وعكة صحية مفاجئة حادة، لكن هذا ما حدث فوافته المنية مؤخراً. ولكن في مراجعة لما سمعته منه قبل أسبوع من رحيله خلال جلسة جمعتنا بالمصادفة مع بعض الأصدقاء، أدركت أن اليأس قد أخذ منه كثيراً، وهذا ما أكدته كتاباته الأخيرة على جداره الأزرق حيث اعتاد النشر منذ بدء سنوات الحرب، وبخاصة نصّه الأخير:
على الصليبِ وطنٌ ذبيحْ
يبكي عليهِ السيّدُ المسيحْ!

لكن الشاعر مصطفى خضر هل رحل أم مضى يبحث عن قصيدة أخرى؟ لنقرأ ما كتبه في ديوانه المرثية الدائمة عام 1984:
«خبأت في عيني/ قصيدة أخيرهْ / وكنت أطوي المدن العمياءْ/ أرسمها، ترسمني في التربة الكسيرهْ/ تنتظر الوعودْ/ وها أنا أغرق في التربة،/ أو أحفر للمدينة الأسيرهْ/ قبراً بلا حدودْ/ أمضي ولا أعودْ/ أبحث عن قصيدتي الأخيرهْ/ والنار في يديْ».

وللشاعر مصطفى خضر (17) كتاباً، (12) منها دواوين شعرية للكبار، أولها (فارس الرؤيا) 1968 وآخر ما صدر له ( حجارة الشاعر) 2003. وفي شعر الأطفال (دفتر النهار) 1986، (أنشودة الأرض) 1987. وفي الدراسات: الشعر والهوية – 1990، الحداثة كسؤال هوية ـ 1996، الخطاب والنقد ـ 2001.
وما إن قرأ الأصدقاء الشعراء خبر رحيل الشاعر خضر حتى بادروا على صفحات التواصل برثائه كلّ بطريقته، ولكن في عمق الكلام بعضُ إنصافٍ للتجربة الشعرية للراحل، فقد: كتب الشاعر د. سعد الدين كليب منشوراً مكثفاً باذخ العمق والدلالة: مصطفى خضر الشاعر الذي رأى بكى ومات!.
في حين كتب الشاعر ميلاد ديب: أعرف يا صديقي أنك تركت نجمة في الروح وذهبت. سأبقى دائماً أستضيء بها. وداعاً يا (غالي).

ورأى الشاعر حسان الجودي أن حمص فقدت أجمل وأنبل مبدعيها. ومضى يقول: تحية إلى الروح النبيلة التي لا تضاهى، تحية إلى شاعر من أجمل وأهم شعراء العرب. تحية له وقد غادر بصمت وتواضع، وهو يكتب شعراً صامتاً عظيماً متواضعاً أمام أسئلة الحياة. تحية إلى آخر فيلسوف شاعر، تحية إلى روحه القلقة التي لم تجد مستقراً لها في أي أيديولوجيا أو مدرسة أو مذهب. كان باتساع الكون، وكان مُعلّماً نادراً للصناعة الشعرية المطرزة بالفكر الحر النير. تحية لروح الشاعر، وقد قدم كنوزاً شعرية فريدة لا تضاهيها أي تجربة شعرية عربية أخرى. لقد رضي بحياة الظل، ولم يسع إلى شهرة، وكان في ذلك أنموذجاً جميلاً من أصحاب الرسالات الإنسانية. الذين عرفوا مقام الإنسان الحقيقي في هذا الكون المضطرب، فتواضعوا وأبدعوا وشغلوا مكانهم الضيق في الحياة بالجمال. تحية لروحه الرحبة، ولأرضه الصلبة التي دحاها بالمشقة والعلم والشعر والفلسفة. وسلاماً أيها الأخضر، أيها الشاعر الفذ الذي أسس جمهورية الأطفال والفقراء والشعراء بلغة خالدة. وداعاً مصطفى خضر.
كتب الشاعر مظهر الحجي: كان ودوداً صادقاً مع نفسه ومع الآخر وكان مخلصاً لفن الشعر. عمل مجتهداً دهره على أن تكون له بصمته الخاصة على مساحة القصيدة العربية. أيها الصديق الشاعر مصطفى خضر…. وداعاً.

وكتب الشاعر بيان صفدي: الراحل صاحب تجربة غنية ومواقف إنسانية شجاعة في مواجهة الظلم والبشاعة والتزييف، وكان يكتب برقيات شعرية حزينة ومضيئة عن بلادنا على صفحته دوماً. وكتب الشاعر عبد النبي التلاوي: مصطفى خضر شاعر عربي متفرد بأسلوبه وقصائده، وما أظنني قرأت لشاعر عربي شعراً يشابه شعره إلا اللبناني خليل حاوي في بعض قصائده. في حين كتب الشاعر محمود نقشو: قلت له منذ أشهر قليلة.. تأخّرنا عليك بالتكريم في رابطة الخرّيجين الجامعيين أيّها النبيل، وأنت من تستحقّه.. لنرتّب معاً أوراق التكريم يا أبا ميلاد.. قال: يكفي اتصالكم، وأجّل ما اقترحته حتّى إشعار آخر. قلت: سأعود وأتصل بك مرّة أخرى. ورحل الطيّب مصطفى خضر من دون أن…. لروحك السلام أيّها الشاعر المعلّم.

أما الشاعر د. نزار بريك هنيدي فكتب: الشاعر الكبير مصطفى خضر. برحيلك اليوم نفتقد واحداً من أهم مصادر الوهج المقدس الذي مازلنا نستضيء به في عتمة هذه الأيام. وودع الشاعر راتب سكر الشاعر الراحل: وداعاً لشاعر ظل يقبض على جمر القصيدة غير هياب… يدي تلوح مع يدك تلويحة وداع ترف على أنهارها روح نقاء أزلي.
ومما كتبه الشاعر علي كنعان: أعرف أن كلاً منا يرثي نفسه ويبكي على «أطلال» الساعات الحميمة الغالية التي عاشها مع صديقه «إمتاعاً ومؤانسة»- كما يقول أبو حيان التوحيدي. لكن رحيل الشاعر مصطفى خضر يترك غصة جارحة في أعماق الروح وخلجات الوجدان، ذلك أن ربع قرن من الزمن، أو أكثر قليلا، مضى ولم يتيسر لنا أن نلتقي إلا عبر هذه المواقع الافتراضية الباهتة.

كان مصطفى (أبو ميلاد) شعلة ذكاء ومحدثاً عميقاً هادئاً ونسمة حضور نيسانية آسرة. إنه شاعر درس الفلسفة، وكان في مراحل دراسته الجامعية يراسل المفكر العربي المعروف مطاع صفدي، المقيم في الكويت؛ وكان عشق الحوار الفلسفي جزءاً من نسيجه الإبداعي الأصيل. درس مصطفى الفلسفة، ولعل دراسة الفلسفة كانت امتياز الشاعر مصطفى خضر، كما كانت امتياز الشاعر علي الجندي. فالشعر المزوّد بفكر فلسفي أشبه ما يكون بتيارات الأعماق، في حين يبقى الآخرون من الكتبة قانعين مستنقعين بتدبيج موضوعات إنشائية في ما يشبه الشعر من حيث الإيقاع، ولكن لا علاقة لها بالصورة الفنية/ الجمالية المبتكرة التي تشكل لبنة القصيدة الحديثة. نكهة جديدة ولون مختلف دخلا في شعر مصطفى خلال السنوات الأخيرة. ومضات شعرية أشبه ما تكون بقصائد الهايكو الياباني، وكانت قصائده تغشي مسحة من الأسى، وكأنها إشراقات من المراثي لمرحلة وطنية وعربية غاربة، وإن تدفق في أعماقها شلال رقيق من التحدي والاحتجاج الذي يقارب الاستنكار، أشبه ما يكون بصرخات جريحة ضد ألوان شتى من المظالم والظلمات.

ومن دراسة مطولة للشاعر الراحل أحمد دحبور منشورة في صحيفة (الحياة الجديدة- فلسطين) كان الراحل خضر يعتز بها كثيراً: هذا الشاعر، مصطفى عباس خضر، المولود عام 1944، في قرية كوكب الواقعة بين حمص وحماة، سيلفت نظر قراء مجلة الآداب البيروتية، ذائعة الصيت، عندما ستنشر له عام 1961، مقالة بعنوان «القلق في أبيات ريفية»، وهي دراسة وتأبين لأستأذنا الشاعر عبد الباسط الصوفي الذي انتحر في غينيا، فجأة، مخلفاً فجيعة في قلب من عرفوه جميعاً. وفي ذلك العام، أيضاً وأيضاً، سينشر مصطفى خضر قصيدة بعنوان «أغنية الساعات المحطمة» في مجلة المعارف البيروتية، وكانت ذات شأن، وقد كرمت المجلة قصيدة الشاعر الجديد، ولم تعرف أنه فتى لم يتجاوز السابعة عشرة، فظهرت القصيدة بطباعة احتفالية من حيث الحروف والتشكيل، متميزة بذلك عن بقية قصائد العدد.

ويجب الاعتراف بأن العامين اللذين يكبرني بهما مصطفى، لم يكونا هما مصدر الرهبة التي فرضها حضوره على الولد الفلسطيني الذي كنت. فقد كنا ننبهر بقدرته على متابعة المشهد الثقافي العربي، وتحرشه بأسئلة الفكر المعقدة، ونحن كوكبة من الفتيان الحالمين بالشعر والثقافة، نلتف حوله. وأذكر أنني عندما أهديت مصطفى نسخة من مجموعتي الشعرية الأولى «الضواري وعيون الأطفال» عام 1964، وكنت في الثامنة عشرة من عمري، أنني كتبت في الصفحة الأولى من النسخة المهداة، جملة دالة، كنت أعنيها بكل جوارحي: إلى أشعر جيلنا.. صديقي مصطفى خضر.

وفي موضع آخر من الدراسة كتب دحبور «وقصيدة مصطفى خضر، منذ البدايات مكثفة حتى الإرهاق. فأنت لا تكاد تلحق الفكرة عنده حتى يصدمك بالصورة، وبين الفكرة والصورة تنتصب الأسئلة لا استنكاراً ولا استفهاماً، بل هي حيرة مقطرة في شعر متبرم متطلب، ماضٍ إلى عالم مضطرب لا يقر له قرار. فهو ينشد المعرفة، واللذة، والعدالة إن شئت. لكنه لا ينشد التعالي بل ينطلق منه، وللتعالي عنده مظهر وحيد، هو الاختلاف. وهو ما يسوغ لك وأنت تعيد قراءة هذا الشاعر، أن تقرر أنه ليس كالآخرين».

قد يهمك ايضادار الثقافة بحمص تستضيف مسرحية 3 حكايا لأيمن زيدان

العثور على كميّات كبيرة مِن الأسلحة والذخيرة في ريف حمص الشمالي

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصطفى خضر الشاعر الذي رأى بكى ومات مصطفى خضر الشاعر الذي رأى بكى ومات



GMT 17:26 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

النجمات في الغولدن غلوب للعام 2021
 العرب اليوم - النجمات في الغولدن غلوب للعام 2021

GMT 17:34 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 10:51 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الإثنين 6 أكتوبر/تشرين الأول 202

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 17:51 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

شرط لويس إنريكي يعقد مفاوضاته مع أرسنال

GMT 05:59 2018 الخميس ,01 آذار/ مارس

أجمل 5 عطور يمكنك استخدامها في كل الأوقات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24