ليبيا العيادة في برلين والطبيب روسي
آخر تحديث GMT04:43:57
 العرب اليوم -

ليبيا... العيادة في برلين والطبيب روسي

ليبيا... العيادة في برلين والطبيب روسي

 العرب اليوم -

ليبيا العيادة في برلين والطبيب روسي

بقلم -غسان شربل

لا ثروة ليبيا النفطيَّة تسمحُ بتجاهلِها، ولا موقعها الجغرافي يسمحُ، خصوصاً في زمن «قوارب الموت» والهجرات الواسعة. وكانَ يمكنُ تركُ ليبيا لمصيرها لو أنَّ خطرَها يقتصر على خريطتها. لكن الواضح هو أنَّ التشرذم المسلح في ليبيا ينذر بتحويلها مصدرَ خطرٍ دائمٍ على جيرانها، وربما على بلدان أبعد.
ولا مبالغة في القول إنَّ ليبيا بلاد سيئة الحظ. ما إن استراحت من المستبد المريض الذي جَثَمَ 4 عقودٍ على صدرها حتى وقعتْ في قبضة الميليشيات. وأظهرتِ التجارب أنَّ وجودَ الميليشيات هو البوابة الذهبية إلى حروب لا تنتهي تستورد التدخلات والوصايات. وأدَّت بعض الوصايات المبكرة إلى تعثُّرِ مشروع طُرح في 2012، وكان يدعو إلى جمع سلاح الميليشيات. وقد تذرَّع رعاة المجموعات المسلحة بعبارات من نوع أن «الثوار لا يلقون السلاح». وأدَّى التمزق الليبي أحياناً إلى ابتعاد بعض الدول عنه كما حدث مع الولايات المتحدة بعد مقتل سفيرها هناك في 2012، وراح الاهتمام الأميركي يختصر بغارات عند الضرورة على مواقع لـ«القاعدة» أو «داعش» في هذا البلد.
تفكُّكُ الدولة الليبية لا يعنيها وحدها. يقلق بالتأكيد الدول المحيطة بها، وهي مصر والجزائر والسودان وتونس وتشاد والنيجر. يضاعف من القلق أنَّ غياب الرقابة على الحدود يتيح تحرك الإرهابيين والعصابات. ويمكن أنْ نضيفَ إلى ذلك أنَّ لليبيا سواحلَ على المتوسط يبلغ طولها 1850 كيلومتراً ما يقلق أوروبا القريبة، خصوصاً في خاصرتها الإيطالية. وأظهرت السنوات القليلة الماضية أن السواحل الليبية هي البوابة الثانية التي يعبرها المهاجرون الأفارقة إضافة إلى تركيا. وهكذا يصبح الاستقرار الليبي حاجة ليبية وإقليمية ودولية، خصوصاً بعد المعلومات عن مقاتلين جوَّالين يرون في الساحة الليبية بديلاً للساحة السورية التي يكاد التدخل الروسي يستكمل إقفالها في وجوههم.
في هذا السياق يرتدي انعقاد مؤتمر برلين حول ليبيا أمس أهمية استثنائية، لا سيما بعدما بَدَتِ الساحة الليبية مرشحة للانزلاق إلى وضع شبيهٍ بما كانت عليه الساحة السورية، أي الغرق في تمزُّقات داخلية عنيفة تواكبها تدخلات عسكرية وسياسية خارجية تزيدها اضطراماً. وليس ثمة شك في أنَّ التدخل التركي الأخير السافر في ليبيا دقَّ جرس الإنذار في أكثر من عاصمة أوروبية. فقبل أسابيع فقط لم يتردد سياسيون وخبراء في اعتبار الوضع الليبي دليلاً على انحسار الدور الأوروبي، وعجز الدول البارزة في القارة القديمة عن التفاهم على تصور موحد لطريقة التعامل مع هذا الملف الذي يعنيها سياسياً واقتصادياً وأمنياً وسكانياً.
ذهب رجب طيب إردوغان بعيداً في تدخله في ليبيا. تفاهمٌ أمنيٌّ مع حكومة فايز السراج المقيمة في طرابلس، واتفاقٌ لتحديد الحدود البحرية سينطلق منه للمنافسة على ثروات المتوسط النفطية والغازية. لم يكتفِ إردوغان بنبش التاريخ «العثماني» لليبيا والدول المجاورة والتعهد بالدفاع عن «أحفاد الفاتحين العثمانيين» بل وجَّه تهديدات مباشرة إلى المشير خليفة حفتر الذي حرَّك قواته لاستعادة طرابلس من الميليشيات متسلحاً بتعاطف إماراتي ومصري مُعلَن وتعاطف فرنسي خجول. ولأنَّ التدخل العسكري باتَ من قواعد التخاطب في هذا الجزء من العالم أرسلَ إردوغان إلى ليبيا ضباطاً ومستشارين ومدربين، فضلاً على قوات سورية موالية لتركيا.
رجل آخر لم ينسَ ليبيا. إنَّه فلاديمير بوتين. كان في موقع رئيس الوزراء حين سمحت روسيا بتمرير قرار مجلس الأمن الذي استخدمه حلف «الناتو» لشنَّ عملية عسكرية أدَّت عملياً إلى إسقاطِ معمر القذافي وبشراكة فرنسية - بريطانية. وفي تلك العملية أُهين السلاح السوفياتي والروسي كما أُهين سابقاً في عراق صدام حسين. لقد حرك «الناتو» بيادقَه إلى موقع كان صديقاً لموسكو، وليس من عادة بوتين أن ينسى.
مستفيداً من الابتعاد الأميركي الذي ضاعفه الانشغال بالأزمة المتصاعدة مع إيران، ومن افتراق الحسابات بين فرنسا وإيطاليا وألمانيا، ومن التدخل التركي الذي يعطيه قدرة التأثير على موقف حكومة السراج، تقدَّم بوتين للعب دور راعي السلام في ليبيا. هكذا استدعت موسكو السراج وحفتر لتوقيع اتفاق وقف النار. مغادرة حفتر من دون توقيع لم تحلْ دون مخاطبته بوتين بـ«الصديق العزيز» وإبداء الاستعداد لمواصلة الرحلة معه. ولأنَّ أسلوب روسيا الحالية في حل الأزمات يقوم على إطلاق عملية على مراحل، ووفق مسارات سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية وإنسانية، حاول بوتين نقلَ خبرته السورية إلى الملعب الليبي.
في هذا الوقت كان الدكتور غسان سلامة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة المنظمة الدولية إلى ليبيا يقلِّب بين يديه جمر الميليشيات والتدخلات حالماً بالتوصل إلى «ترميم للموقف الدولي من المسألة الليبية»، كما قال لصحيفتنا أولَ من أمس. واضح أنَّ سلامة يراهن على أنَّ حضور المتدخلين تحت سقف واحد في برلين قد يساعد على ترميم مظلة دولية لضبط التدخلات على أن يستمر في موازاتها حوار ليبي - ليبي على المسارات الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وهكذا أدخل سلامة ليبيا إلى غرفة «العناية الفائقة» في برلين آملاً في استجماع إرادة أوروبية ودولية لإنقاذها من الميليشيات والتدخلات والويلات.
إنَّه أسلوب بوتين الذي نقل الأزمة السورية من بيان جنيف وهيئة حكم انتقالي إلى اجتماعات فيينا وتغيير المرجعيات وإطلاق عملية سياسية. وقد حملت الصيغ المتداولة في مؤتمر برلين الكثير من هذه التوجهات. واضح أنَّ الطبيب الروسي يملك القدرة على التحدُّث إلى جميع المعنيين بالمريض الليبي الذي اقتيد إلى العيادة في برلين. وهو طبيبٌ مستعدٌّ لتطويع أدوار الآخرين وإشراكهم من دون أنْ ينسى الأمم المتحدة. والسؤال هو هل يستيقظ الليبيون قبل فوات الأوان؟

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا العيادة في برلين والطبيب روسي ليبيا العيادة في برلين والطبيب روسي



GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 17:56 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

لو فعلها بايدن!

GMT 17:53 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ماذا وراء إعادة صياغة اتهامات ترمب؟

GMT 09:55 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج السرطان 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 11:27 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 16:55 2020 الأحد ,01 آذار/ مارس

مناخا جيد على الرغم من بعض المعاكسات

GMT 13:43 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

إبقَ حذراً وانتبه فقد ترهق أعصابك أو تعيش بلبلة

GMT 10:25 2019 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

يراودك ميل للاستسلام للأوضاع الصعبة

GMT 17:23 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

اختفاء جزيرة يابانية قرب الحدود الروسية

GMT 14:24 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

بوكو حرام تقتل 15 إثر هجوم على قرويين في نيجيريا

GMT 11:11 2018 الثلاثاء ,24 إبريل / نيسان

لاغارد تعلن إجراءات مشددة للتصدي إلى الفساد

GMT 10:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24