حيث الفشل أخطر من «كورونا»
آخر تحديث GMT04:43:57
 العرب اليوم -

حيث الفشل أخطر من «كورونا»

حيث الفشل أخطر من «كورونا»

 العرب اليوم -

حيث الفشل أخطر من «كورونا»

بقلم -غسان شربل

بموجب القاموس القديم للأنظمة الشمولية كانَ يفترض إدراج ظهور فيروس «كورونا» في خانة أسرار الدولة. يمنع الكلام عنه ومجرد الإشارة إليه. لكنَّنا في عالم لم يعد فيه مكان لهذا السلوك. العالم مترابط ومتداخل. ووسائل التواصل الاجتماعي جعلت «القرية الكونية» بلا أسرار.
وكان يمكن للصين أنْ توكل التعاطي مع هذا الموضوع إلى دائرة صحية. وأن تحاول التقليل من حجم المشكلة. لكن الصين اختارت أن تتعامل مع المشكلة بأسلوب الدولة. الدولة المسؤولة حيال مواطنيها وحيال العالم أيضاً.
وهكذا استُدعيت اللجنة الدائمة للمكتب السياسي في الحزب الشيوعي إلى اجتماع عاجل برئاسة الأمين العام للحزب رئيس الدولة شي جينبينغ رغم أن عدد الوفيات لم يتجاوز العشرات. الرئيس نفسه أسهم في إعطاء المشكلة أبعادها الحقيقية. حذر من أن البلاد تواجه «وضعاً خطراً» بسبب تسارع انتشار وباء الالتهاب الرئوي الفيروسي. وأكد في الوقت نفسه أن الصين يمكنها «الانتصار في المعركة». وهكذا تم استنفار كل إمكانات الدولة بما فيها المختبرات العلمية للتعرف أكثر على طبيعة الفيروس وإيجاد اللقاح المناسب.
كان يمكن لهذا الموضوع أن يشكل كارثة لصورة الصين لو اختارت أسلوب الإخفاء والتستر. لكن الرئيس الصيني الذي تحتلُّ بلاده الموقع الثاني في الاقتصاد العالمي أدرك أنَّ على بلاده أنْ تتصرَّفَ بمسؤولية الدولة التي تستحق ثقة مواطنيها والعالم. صحيح أنَّ للإجراءات التي اتخذت لمنع انتشار الفيروس أثماناً اقتصادية مرتفعة، لكنها تقل بكثير عن الثمن الباهظ الذي كان يتحتَّم دفعه لو اختارت السلطات الصينية الصمت، واستنتج مواطنوها لاحقاً أنَّها لا يمكن أن تؤتمن على صحتهم وسلامتهم، وتوصل الخارج إلى استنتاج مشابه. هكذا تعاملت بكين مع الوباء بوصفه العدو الأول، واختارت الشفافية في موضوع مثير للقلق والهلع.
حين اندلعت أزمة فيروس «كورونا» كان على الصحافي العربي أن يتابع معها ثلاثة ملفات ساخنة؛ هي الأزمة المتصاعدة في العراق، والتطورات الليبية في أعقاب مؤتمر برلين، والاحتجاجات الشعبية في لبنان. وفي الملفات الثلاثة لم يجد الصحافي بداً من التفكير في الدولة والمؤسسات.
تعاملت الطبقة السياسية في العراق مع الاحتجاجات المطالبة بالخدمات الأساسية ومحاربة الفساد وقيام دولة مكتملة الأركان بوصفها نوعاً من الوباء القابل للانتشار. لكنها بدلاً من الإصغاء بعمق إلى أوجاع العراقيين واستنتاج ما يجب استنتاجه سارعت إلى إنكار عمق المشكلة، وتوهمت أنَّ وأد الاحتجاجات ينهي المشكلة. تحركت السلطة الصينية بعد سقوط أربعين ضحية، لكن القوى الفاعلة في القرار العراقي أو المتحكمة فيه لم تعثر على طريقة للتعاطي مع سقوط أكثر من خمسمائة محتج غير الطريقة التي تنجب مزيداً من الضحايا.
أضاف مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في بغداد على يد القوات الأميركية تعقيداً بالغ الخطورة على التعقيدات الموجودة أصلاً. يمكن القول إنَّ عملية القتل والرد الإيراني عليها صبَّا الزيت على نار مشتعلة أصلاً بفعل تصدع الدولة وقرارها. وجد العراقيون أنفسهم في حالة تشبه الأسرى حين تكرس وصف هذا البلد العريق بـ«الساحة العراقية».
كشفت الأحداث الأخيرة أنَّ العملية السياسية التي أعقبت إسقاط نظام صدام حسين، وعلى يد الأميركيين أيضاً، لم تسفر عن قيام دولة طبيعية بمؤسسات طبيعية قادرة على مواجهة المشكلات والأخطار. التهمت أمراض الفئوية والمحاصصة والفساد النصوص الدستورية وتركت البلاد تحت رحمة الفصائل وسياسات الاستقواء والتدخل.
واضح أن سياسات صدام حسين أغرقت البلاد في مأساة عميقة. وأن أخطاء الاحتلال الأميركي ضاعفت مشكلات العراق. لكن الواضح أيضاً هو أن القوى السياسية والحزبية في العراق فشلت في إرساء معالم دولة طبيعية. تعرض العراق بعد صدام لعملية نهب فاقت تلك التي تعرضت لها روسيا غداة انتحار الاتحاد السوفياتي. وفشلت السلطة الجديدة في استخلاص العبر من امتحانات قاسية أظهرت هشاشة المؤسسات الجديدة، وهو ما أكدته على نحو صارخ فضيحة سقوط الموصل في يد «داعش». وها هو العراق يعيش تحت وطأة الاضطراب الكبير وهيجان الفصائل وتجاذب المكونات. لا إطلاق الصواريخ على السفارة الأميركية يوفر حلاً، ولا إحراق خيام المحتجين ولا الانعطافات المتلاحقة لمقتدى الصدر.
لم يترك المستبد الليبي مؤسسات يمكن الانطلاق منها أو البناء عليها. لكنَّ الليبيين أنفسهم بدوا كمن أضاع فرصة بناء دولة عادية تسعفهم في تعويض أربعة عقود ضائعة من عمر بلادهم. تعمق الفشل الداخلي، وتصاعدت التدخلات وأثار نفط ليبيا وموقعها لعاب كثيرين. ورغم الحضور الدولي الواسع في «عيادة برلين» فإنَّ ثمة من يتخوف من أنْ يؤدّي عجزُ الليبيين عن الجلوس تحت سقف واحد لبلورة خريطة طريق لبناء الدولة إلى إطالة المأساة، ومفاقمة الأخطار على ليبيا وجيرانها.
الفشل اللبناني لا يحتاج إلى دليل. يختلف اللبنانيون على أشياء كثيرة، لكنهم يتفقون على أنهم يتعرضون اليوم في جمهورية الإفلاس والانهيار إلى إذلال لم يتعرضوا لمثله في أعتى فصول الحرب. تسببت طبقة سياسية فاسدة في تهديد مرتكزات استقرار لبنان واقتصاده وبينها القطاع المصرفي، وفشلت في التحرك في الوقت المناسب لمنع الانزلاق إلى الهاوية الحالية. وبديهي أن تبادل الاتهامات لا يوفر حلاً تماماً كإحراق خيام المحتجين.
لا نريد التقليل أبداً من حجم التدخلات الخارجية والدور الذي تلعبه. لكن الأكيد أن القوى الداخلية لم تتصرف بمنطق الدولة، أو الراغب في بناء دولة طبيعية توفر لكل مكوناتها ومواطنيها فرصة العيش في ظل القانون. مجرد قراءة سريعة لأثمان الفشل في العراق وليبيا ولبنان تظهر أنَّ فيروس الفشل المتفشي بفعل غياب الدولة الطبيعية أخطر من فيروس «كورونا».

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حيث الفشل أخطر من «كورونا» حيث الفشل أخطر من «كورونا»



GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 17:56 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

لو فعلها بايدن!

GMT 17:53 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ماذا وراء إعادة صياغة اتهامات ترمب؟

GMT 10:07 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الإثنين 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 06:16 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

ضغوط مختلفة تؤثر على معنوياتك أو حماستك

GMT 11:03 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 11:28 2019 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

تنتظرك أمور حزينة خلال هذا الشهر

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 15:56 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 16:42 2020 الأحد ,01 آذار/ مارس

التصرف بطريقة عشوائية لن يكون سهلاً

GMT 08:56 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تتهرب من تحمل المسؤولية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24