الثغرة الأكبر في المشروع الروسي
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

الثغرة الأكبر في المشروع الروسي

الثغرة الأكبر في المشروع الروسي

 العرب اليوم -

الثغرة الأكبر في المشروع الروسي

بقلم - خير الله خير الله

من يريد الخير فعلا لسوريا، وبالتالي للبنان، يبتعد قدر الإمكان عن حلف الأقلّيات. هذا الحلف الذي يجمع حاليا بين النظام السوري وروسيا وإيران وإسرائيل لا أفق له.

حماية حلف الأقليات

هناك ثغرات كثيرة في السياسة الروسية المتبعة تجاه سوريا. بين هذه الثغرات الدعوة إلى عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم. من يؤمن سلامة أيّ لاجئ يمكن أن يعود إلى أرضه في ظلّ نظام وضع تهجير السوريين من هذه الأرض التي ولدوا وعاشوا فيها في مقدّم أولوياته وذلك من أجل بلوغ هدف واضح كلّ الوضوح؟

يتمثل هذا الهدف، الذي يتشارك فيه النظام السوري مع النظام الإيراني، في تغيير التركيبة الديموغرافية لسوريا تعزيزا لقيام حلف الأقلّيات الذي يؤمن به، للأسف الشديد بعض اللبنانيين من المسيحيين الذين يتمتعون بمقدار كبير من التعصّب الطائفي ومن فقدان بعد النظر في آن.

يغيب عن بال هؤلاء كلّيا أن كلّ ما فعله النظام السوري يتمثل في تقليص حجم الوجود المسيحي في لبنان من أجل تحويل هذه الكتلة البشرية إلى مجرّد تابع للنظام السوري. هذا النظام السوري الذي هو قبل كلّ شيء نظام أمني تتحكّم به أقلّية معروفة. ليس سرّا من شجّع الفلسطينيين على حمل السلاح في لبنان وإقامة “جمهورية الفاكهاني” التي لم يكن من هدف لها سوى تدمير المؤسسات اللبنانية الواحدة تلو الأخرى بدءا برئاسة الجمهورية وذلك وصولا إلى تدمير لبنان لمصلحة النظام السوري.

ليس سرّا من هجر سكان القرى المسيحية في كلّ المناطق المحاذية للحدود مع سوريا، لا تزال مجزرة القاع أبلغ دليل على ذلك. ليس سرّا في كلّ وقت من الأوقات من شجّع على تلك المواجهة بين الجيش اللبناني و”القوات اللبنانية” في العامين 1989 و1990 عندما كان الجنرال ميشال عون، الرئيس الحالي، في قصر بعبدا كرئيس لحكومة مؤقتة مهمتها تأمين انتخاب رئيس للجمهورية خلفا للرئيس أمين الجميّل الذي انتهت ولايته في أيلول – سبتمبر 1988. رفض أمين الجميّل طوال عهده، الذي ينتقده كثيرون، إدخال الجيش في مواجهة مع “القوات”.

كان يعرف جيدا ما الذي سيعنيه ذلك وكيف سيستفيد النظام السوري من مثل هذه المواجهة التي تعني بين ما تعنيه قتالا مسيحيا-مسيحيا. في 1989 و1990 حصلت أكبر هجرة للمسيحيين من لبنان. كان مهمّا في كلّ مرحلة من المراحل إضعاف الوجود المسيحي في لبنان. دخل اغتيال النظام السوري للرئيس رينيه معوّض في هذا السياق. كان الهدف من التخلص من الرجل تغيير طبيعة اتفاق الطائف من اتفاق يتمتع بغطاء عربي ودولي إلى اتفاق ذي مرجعية واحدة هي النظام الأمني السوري.

على مثل هذا النظام الأمني ذي الطبيعة الطائفية المعروفة، تسعى روسيا إلى العودة إلى لعب دور محوري في الشرق الأوسط. لا يمكن لمثل هذا النظام أن يكون أساسا يبنى عليه. هذه هي الثغرة الأهمّ في السياسة الروسية تجاه سوريا وفي المشروع الروسي.

في النهاية، لا يمكن البناء على نظام لا يمتلك أي شرعية من أيّ نوع كان. نظام جاء نتيجة مباشرة لانقلاب عسكري نفّذه في الثامن من آذار – مارس 1963 ضباط موتورون ينتمون في معظمهم إلى حزب البعث الذي لم يكن في يوم من الأيّام سوى مطيّة للانتهازيين من العسكريين الآتين من كل حدب وصوب والذين لا هدف لهم سوى الانتقام من القيم الحضارية للمدينة.

ما يدركه الروس، قبل غيرهم، أن هذا الانقلاب الذي سمّي “ثورة الثامن من آذار”، لم يكن سوى مقدّمة لتولّي حافظ الأسد السلطة على مرحلتين. كانت المرحلة الأولى في الثالث والعشرين من شباط – فبراير 1966 عندما تخلص الضباط العلويون، على رأسهم صلاح جديد وحافظ الأسد ومحمّد عمران من الضباط السنّة. وكانت المرحلة الثانية في السادس عشر من تشرين الثاني – نوفمبر 1970 عندما تخلّص حافظ الأسد بدوره من كلّ منافس له بدءا بكبار رفاقه من الضباط الإسماعيليين كأحمد المير وعبدالكريم الجندي والدروز مثل حمد عبيد وسليم حاطوم وصولا إلى العلويين، أي إلى محمد عمران (الذي استبعد قبل العام 1970)، ثمّ صلاح جديد في نهاية المطاف.

على من يبني على مثل النظام الذي أورثه حافظ الأسد إلى نجله بشّار، والذي تحوّل بعد السنة 2000 إلى ما هو أقرب إلى نظام عائلي مافيوي أكثر من أيّ شيء آخر، التنبه إلى أن حلف الأقلّيات لن تقوم له قيامة في يوم من الأيّام. كذلك، لا تستطيع روسيا ولن تتمكن يوما من لعب أي دور إيجابي في المنطقة في حال بقيت تراهن على بشّار الأسد وعلى إيران في الوقت ذاته.

روسيا ستبقى في كل وقت بالنسبة إلى أكثرية السوريين واللبنانيين الطرف الذي لعب دورا محوريا في إبقاء سوريا أسيرة نظام لا مستقبل له، نظام لا يؤمن سوى بلغة القمع وإلغاء الآخر

لن يتقدّم المشروع الروسي في سوريا خطوة إلى الأمام في غياب القدرة على الخروج من لعبة حلف الأقلّيات. تستطيع روسيا مساعدة بشّار الأسد في عملية تأديب الدروز. وهذا ما حصل بالفعل في تموز – يوليو الماضي لدى ارتكاب “داعش” مجزرة السويداء بالتفاهم التام مع النظام السوري والميليشيات المذهبية الموالية لإيران التي تدعمه.

لن يصبح دروز سوريا في يوم من الأيّام عملاء للنظام القائم. إنّهم يعرفون تماما أنّ لا مصلحة لديهم في حلف الأقلّيات لأنه يعني أول ما يعني نهايتهم كأقلية مهددة من جهات عدة، خصوصا بعد إقرار الكنيست الإسرائيلية لقانون يجعل منهم مواطنين من الدرجة الثانية.

تستطيع روسيا أيضا توظيف أصوات مسيحية لبنانية تعتقد أنها قادرة على استعادة حقوق المسيحيين اللبنانيين عبر سلاح “حزب الله”. ما لن تستطيعه يوما تحويل النظام السوري إلى نظام شرعي أو جعل أكثرية اللبنانيين تنظر إليها وإلى دورها نظرة إيجابية في أي مجال.

ستبقى روسيا في كلّ وقت بالنسبة إلى أكثرية السوريين واللبنانيين الطرف الذي لعب دورا محوريا في إبقاء سوريا أسيرة نظام لا مستقبل له، نظام لا يؤمن سوى بلغة القمع وإلغاء الآخر.

يمكن لروسيا الاستفادة إلى أبعد حدود من الحلف الذي أقامته مع إسرائيل ومن غياب الإستراتيجية الأميركية الواضحة في الشرق الأوسط عموما وسوريا على وجه التحديد. يمكنها أن تستفيد من الميليشيات المذهبية الإيرانية الموجودة في الأراضي السورية إلى أبعد حدود ومن التذرع بأن ليس في استطاعتها إجبار إيران على الانسحاب من كلّ سوريا.

ما لا تستطيعه روسيا في نهاية المطاف تكرار أخطاء الماضي عبر البناء على نظام غير شرعي يظن أن لديه القدرة على اللعب على التناقضات. يظل اللعب على التناقضات شيئا والواقع الشرق الأوسطي شيئا آخر. لو كانت لروسيا علاقة بهذا الواقع لما كانت أخذت سوريا ومعها العرب إلى حرب 1967 ولما كان أنور السادات أعاد لمصر أراضيها المحتلة بعد ابتعاده كلّيا عن الاتحاد السوفييتي والمشاريع التي كان يطرحها لكسب الوقت ليس إلّا.

من يريد الخير فعلا لسوريا، وبالتالي للبنان، يبتعد قدر الإمكان عن حلف الأقلّيات. هذا الحلف الذي يجمع حاليا بين النظام السوري وروسيا وإيران وإسرائيل لا أفق له. إنّه الطريق الأقصر لتهجير الأقلّيات ولتفتيت المنطقة. هل هذا هو الهدف الروسي من إبقاء بشّار الأسد في دمشق وتوسيع رقعة المناطق التي تسيطر عليها الألوية التابعة له والتي تفتقر أكثر فأكثر إلى العنصر البشري؟

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثغرة الأكبر في المشروع الروسي الثغرة الأكبر في المشروع الروسي



GMT 15:25 2018 الجمعة ,07 كانون الأول / ديسمبر

السعودية وتركيا والزعامة

GMT 15:23 2018 الجمعة ,07 كانون الأول / ديسمبر

جهل أم حماقة أم جنون!

GMT 15:20 2018 الجمعة ,07 كانون الأول / ديسمبر

أنفاق ونفاق

GMT 15:03 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يعنى «إيديكس 2018»؟!

GMT 15:01 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا حصدت السعودية فى قمة الأرجنتين؟

GMT 10:58 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 11:03 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 13:42 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 10:11 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 09:35 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الأربعاء 7 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 10:58 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تجد نفسك أمام مشكلات مهنية مستجدة

GMT 15:56 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:44 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تنفرج السماء لتظهر الحلول والتسويات

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 13:28 2020 السبت ,02 أيار / مايو

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 14:56 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أحوالك المالية تتحسن كما تتمنى

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 11:12 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 09:35 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتعد عن النقاش والجدال لتخطي الأمور

GMT 18:08 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تولوز يُفاجئ برشلونة ويؤكد دراسة تجديد عقد توديبو

GMT 10:24 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24