الصين تعمل على تحويل جيبوتي إلى دبي ثانية
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

الصين تعمل على تحويل جيبوتي إلى دبي ثانية!

الصين تعمل على تحويل جيبوتي إلى دبي ثانية!

 العرب اليوم -

الصين تعمل على تحويل جيبوتي إلى دبي ثانية

بقلم - هدى الحسيني

في منتصف شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، رفعت جيبوتي الرهانات في نزاعها مع شركة «موانئ دبي العالمية»، وهي هيئة الموانئ المملوكة للدولة في دبي، على أساس أنها تسعى، وهي الدولة الصغيرة الواقعة في شرق أفريقيا، إلى إبعاد أحد مراكز الشحن الرئيسية خارج الدولة الإماراتية.
إذا سلمنا بالتبرير، فقد يبدو هذا الأمر ليس أكثر من طموح دولة ناشئة، تريد تحرير نفسها من عقد مقيد. لكن إذا تعمقنا فإن الخلاف له تداعيات جيوسياسية كبيرة، لا سيما بالنسبة إلى الولايات المتحدة. وفي محاولتها افتعال مشكلة مع «موانئ دبي العالمية»، فإن جيبوتي تهدد بإخلال توازن القوى في واحدة من أكثر مناطق العالم حساسية سياسياً؛ لأنها تعطي دفعة كبيرة للصين، في وقت يغزو الصقيع العلاقات بين واشنطن وبكين، إلى درجة أن الحديث عن حرب باردة قد بدأ.
منذ شهر فبراير (شباط) الماضي، وجيبوتي تحاول التخلص من «موانئ دبي العالمية»، عندما أنهت عقد الشركة المشترك في محطة الحاويات «دوراليه»، وسيطرت عليها. لكن «موانئ دبي العالمية» حصلت على أمر قضائي من محكمة بريطانية، حكمت بأن الاستيلاء غير قانوني، كما فازت بحكم منفصل من المحكمة العليا في لندن، يمنع حامل أغلبية أسهم «دوراليه»، «مرفأ جيبوتي» من إخراجها من العقد. فما كان من حكومة جيبوتي إلا أن ردت بتأميم «شركة مرفأ جيبوتي» بمعنى أنها سحبت ميناء «دوراليه» من خارج النطاق التجاري.
يقول المسؤولون المحيطون بالرئيس إسماعيل عمر جيلة: «إن الحكومة تحاول ببساطة حماية السيادة الوطنية والاستقلال الاقتصادي». إن المعركة التي فتحتها جيبوتي مع «موانئ دبي العالمية» تتسق بالتأكيد مع سياسة جيلة المقتحمة، التي تسعى لاستغلال موقع جيبوتي، باعتباره بوابة إلى البحر الأحمر وقناة السويس، إذ تقريباً، كل التجارة البحرية بين أوروبا وآسيا التي تبلغ قيمتها نحو 700 مليار دولار سنوياً، تمر في جيبوتي إلى أماكن توجهها، وتريد حكومة جيلة تحويل جيبوتي إلى مركز تجاري إقليمي، لا يختلف في الواقع عن دبي، وهكذا أطلق جيلة نوبة من المشروعات التنموية، وفتح ثلاثة موانئ جديدة في العام الماضي، وأقام مركزاً جديداً ضخماً للتجارة الحرة في ميناء «دوراليه» المتنازع عليه، ويتوقع أن تكون أكبر منشأة في أفريقيا.
لكن خلف خطاب حكومة جيبوتي، يرى المراقبون يداً خفية تمتد من بكين. والمعروف أن الصين تقوم ببناء شبكة تجارية عالمية من خلال برنامجها الاستثماري «الحزام والطريق»، الذي تبلغ تكلفته تريليون دولار، وتعتبر جيبوتي قطعة أساسية في المشهد الكبير، فهي قناة إلى أفريقيا، وبالتحديد إلى إثيوبيا، إحدى وجهات الاستثمار الصيني الرئيسية. لقد أقرضت البنوك الصينية جيبوتي أكثر من 1.4 مليار دولار في العامين الماضيين، أي أكثر من 75 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي، ومولت عدداً من مشروعات البنية التحتية، لا سيما خط السكك الحديدية إلى أديس أبابا. كما أن الصين بنت منطقة التجارة الحرة الجديدة في «دوراليه» بالأموال والقوة البشرية الصينية، وسيتم تشغيلها في مشروع مشترك مع شركة «China Merchants Holdings» المملوكة للدولة.
من غير المستغرب أن تكون هذه الخطوات أثارت غضب «موانئ دبي العالمية» التي هددت الصين باتخاذ إجراءات قانونية بشأن ما اعتبرته محاولة إبعادها عن صفقة «دوراليه»؛ لكن الغضب لا يقتصر فقط على دبي، إذ إن هناك مخاوف أيضاً في واشنطن؛ حيث ناقش المشرعون وبأسلوب قلق احتمال أن يمنح جيلة ميناء «دوراليه» بأكمله إلى الصين كـ«هدية». ولو كان هذا مجرد مسألة تجارية، فإن الأمر لا يبرر عقد جلسة للكونغرس الأميركي؛ لكنه أبعد من كونه مسألة تجارية.
لقد قامت الصين بالفعل ببناء قاعدة عسكرية في «دوراليه»، بجوار محطة الحاويات، وهذا يسبب مشكلات للولايات المتحدة حيث تقع منشآتها العسكرية: «معسكر ليمونيه»، الذي يبعد مسافة يمكن قطعها على الأقدام.
بالطبع تصر الصين على أن مشروع «الحزام والطريق» هو وببساطة لبناء شركة تجارية في القرن الحادي والعشرين، ويؤكد الرئيس شي جينبينغ أنه سيعامل جيبوتي كشريك على قدم المساواة؛ لكن بالنسبة إلى المنتقدين فإن توسع الصين في جيبوتي، واعتبارها شريكاً على قدم المساواة مع الصين، إنما هو لعب بالكلمات شديد السخرية، به تغري الصين «شريكها» الأكثر فقراً في منح الديون بقروض رخيصة، قبل أن تغلقها لإغراق الأصول ذات الأهمية الاستراتيجية. هذه الاستراتيجية المرفقة بالهدايا أسفرت عن حصول الصين على عدد من المرافق الأجنبية الرئيسية، لا سيما ميناء «هامبانتوتا» في المحيط الهندي، 
ونلاحظ الآن في ماليزيا كيف أن رئيس الوزراء مهاتير محمد ألغى عقدين مع الصين بقيمة 20 مليار دولار تقريباً، كي لا تغرق بلاده في ديون غير قادرة على الإيفاء بها، وها هو أيضاً عمران خان رئيس الوزراء الباكستاني الجديد، يبحث عن تمويل آخر، ليتخلص من مخالب الصين، وكانت أول زيارة له لأجل هذا السبب إلى المملكة العربية السعودية.
أما بالنسبة إلى جيبوتي، فإن ارتفاع نسبة الدين يشكل 85 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويرجع «الفضل» في ذلك وإلى حد كبير إلى القروض الصينية، ولهذا كان من السهل معرفة السبب الذي جعل المنتقدين يعتقدون بأن «دوراليه» ستذهب إلى الصين بالطريقة نفسها التي خسرت فيها سريلانكا ميناء «هامبانتوتا». إذا حدث هذا فقد يكون كارثياً بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي كانت ثارت على الصين التي وجهت أشعة الليزر من الدرجة العسكرية إلى طياريها المقاتلين فوق جيبوتي. 
وبينما يهدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بجولة جديدة من العقوبات على الصين، فإن تهديد الصين، عبر جيبوتي، غير مرحب به على الإطلاق، ويمكن أن يعمل على تقويض نفوذ واشنطن في مواجهتها الحادة مع بكين. والأكثر من ذلك أنه يأتي في وقت تقف فيه الحكومة الصومالية على حافة الانهيار، مع استمرار الحرب الأهلية في اليمن؛ حيث ترى فيها إيران فرصة للتعبير عن عدائها للمملكة العربية السعودية ولأميركا أيضاً.
يعد «معسكر ليمونيه» نقطة انطلاق لكل من الصومال واليمن، وتحتاج الولايات المتحدة إلى الوصول الكامل من غير أي عائق إلى «معسكر ليمونيه» الآن، أكثر من أي وقت مضى.
قد يقول البعض إن جيبوتي صغيرة للغاية، لإشعال مواجهة بين الولايات المتحدة والصين؛ لكن نسي هذا البعض أن الصين اليوم بالنسبة إلى الولايات المتحدة، هي كما كان الاتحاد السوفياتي خلال أزمة الخنازير.
أميركا تتهم الصين بأنها تخدع، وهذه تنفي بحجة بناء «الحزام والطريق»، لهذا تزداد الأسئلة حول التوتر الأميركي الصيني، وعما إذا كانت الحرب هي نهاية اللعبة في بحر جنوب الصين!
وفجأة، وفي ظل هذا الخضم الواسع من التوترات، تبرز جيبوتي جالسة في الحضن الصيني!

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصين تعمل على تحويل جيبوتي إلى دبي ثانية الصين تعمل على تحويل جيبوتي إلى دبي ثانية



GMT 15:25 2018 الجمعة ,07 كانون الأول / ديسمبر

السعودية وتركيا والزعامة

GMT 15:23 2018 الجمعة ,07 كانون الأول / ديسمبر

جهل أم حماقة أم جنون!

GMT 15:20 2018 الجمعة ,07 كانون الأول / ديسمبر

أنفاق ونفاق

GMT 15:03 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يعنى «إيديكس 2018»؟!

GMT 15:01 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا حصدت السعودية فى قمة الأرجنتين؟

GMT 10:58 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 11:03 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 14:09 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

تبدأ بالاستمتاع بشؤون صغيرة لم تلحظها في السابق

GMT 10:54 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 13:42 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 10:11 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 09:35 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الأربعاء 7 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 10:58 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تجد نفسك أمام مشكلات مهنية مستجدة

GMT 15:56 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:44 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تنفرج السماء لتظهر الحلول والتسويات

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 13:28 2020 السبت ,02 أيار / مايو

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 14:56 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أحوالك المالية تتحسن كما تتمنى

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 11:12 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 09:35 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتعد عن النقاش والجدال لتخطي الأمور

GMT 18:08 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تولوز يُفاجئ برشلونة ويؤكد دراسة تجديد عقد توديبو

GMT 10:24 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24