اغتيال الحريري وتغوّل إيران عبر العراق
آخر تحديث GMT04:43:57
 العرب اليوم -

اغتيال الحريري وتغوّل إيران عبر العراق

اغتيال الحريري وتغوّل إيران عبر العراق

 العرب اليوم -

اغتيال الحريري وتغوّل إيران عبر العراق

علي شندب
بغداد - سورية24

منذ 16 عاماً اغتيل رفيق الحريري. الرجل الذي استُولد دوره في كنف كواليس اتفاق الطائق. واستولدت زعامته السياسية بعد ترؤسه الحكومة في سياق مشروع إعادة إعمار بيروت. زعامة مرتكزة على وظيفة اقتصادية جديدة للبنان برعاية سعودية، سورية، فرنسية وأمريكية. زعامة جرفت في طريق تثبيت مرتكزاتها عدة بيوتات سياسية تقليدية سنّية وبالحد الأدنى همّشتها، لصالح الأخطبوط الحريري الذي مدّ أضلعه في كافة المناطق اللبنانية.

ومن لحظة اغتيال الحريري حتى اليوم، جرت مياه سياسية وأمنية كثيرة وكبيرة، استكملت ما بدأه الاغتيال الذي لم يغتال الرجل فحسب، وإنما اغتال خاصة المشروع الذي حمله الحريري الأب. وهو المشروع الذي فشلت في حمله الحريريتين البيولوجية والسياسية اللذين نالت منهما رياح الانشطار والتشظي. فبروز بهاء الحريري الابن الأكبر لرفيق الحريري، عبّر بوضوح عن انقسام داخل الحريرية البيولوجية، وبالحد الأدنى عن سخط الشقيق الأكبر من أداء وتنازلات شقيقه الأصغر سعد الحريري. كما وعبّر عن اختلاف الموقف بينهما من منظومة الفساد والمال والسلطة والسلاح وناظمها حزب الله الذي يراه بهاء الحريري تنظيما ارهابيا، فيما سعد الحريري يتعاون مع الحزب في الحكومة وغيرها في اطار ما اصطلح على تسميته بربط النزاع. أما الحريرية السياسية فقد انشطرت بدورها الى حريرية ريفية هنا، ومشنوقية هناك.

بهذا المعنى فاغتيال الحريري وتشظّي الحريرية، مَذْهَبَ السنّة في لبنان، كما وحوّل هذه الطائفة المكسورة والجريحة الى أقلية مذهبية ولو كبيرة بعدما كانت أمّة. وعندما مَذْهَبوا السنّة سقطت العروبة في لبنان، وبتنا أمام معادلة تحالف الأقليات الحاكم من حلب شمالي سوريا، الى الناقورة جنوبي لبنان. وعلى هذا الأساس ينبغي النظر الى السياق الإستراتيجي الذي استوجب اغتيال الحريري وشطبه ومشروعه من المعادلة اللبنانية. واتساقا مع لغة أو لعبة الأرقام والتواريخ سيّما تلك التي طبعت السمات الاستراتيجية منذ أكثر من عقدين مضيا، يتواصل عصف الزلازل بالمنطقة وتناسلها حتى اليوم انطلاقا من تفجير برجي التجارة الأميركية في 11 أيلول/ سبتمبر 2001 الذي هو بدون شك الزلزال الأب، ومن رحمه ولد الزلزال الابن في 9 نيسان/ ابريل 2003 والذي هو احتلال العراق وغزوه. رغم أن تحقيقات أحداث 11 ايلول لم تشِ بضلوع عراقي واحد. ومن رحم الزلزال الابن ولد الزلزال الحفيد وهو اغتيال رفيق الحريري. وفيما توقع كثيرون أن تشكل معرفة الحقيقة في اغتيال الحريري الزلزال ابن الحفيد، فإن إدانة المحكمة الدولية للقيادي في حزب الله سليم عيّاش في اغتيال الحريري ورفاقه لم ترقَ لمستوى الزلزال.

اذن هي الزلازل السياسية التي كان دويها الأكبر في العراق، حيث حكم التخادم الأميركي الإيراني المنطقة انطلاقا من لحظة الاحتلال المزدوج للعراق: الاحتلال العسكري الاميركي، والاحتلال الايراني المعنوي. وهو الاحتلال الذي ثبّت أهدافه واستهدافاته لعقود متوالية من خلال العملية السياسية التي فرض ممثل سلطات الاحتلال الاميركي بول بريمر عبرها تغيير الدستور العراقي بما يخدم أهداف الاحتلال وورثته في العملية السياسية. إنه التغيير القائم أولا على الاجتثاث. وثانيا، على التغيير الدينوغرافي والديموغرافي اللذين أصابا العراق مع ما يعني ذلك من تحويل أكثرية سنية الى أقلية، وتحويل أقلية شيعية الى أكثرية صنعها فائض القوة لدى الميليشيات الشيعية الوافدة على دبابات الاحتلال. انه فائض القوة الذي انعكس ايضا محاصصة طائفية في نسب توزيع مقاعد البرلمان العراقي من جهة، وفي مروحة تحالف الميليشيات الشيعية مع نظرائها من الأحزاب الكردية والإخوان المسلمين وواجهتهم الحزب الإسلامي العراقي من جهة أخرى.

وبالكلام عن الأكثرية والأقلية، نذكر بأن الولايات المتحدة والاعلام الدولي لطالما برّروا الحرب على العراق بحجة إضافية تقول: أن صدام حسين يضطهد الأقليتين الشيعية والكردية، فكيف تحوّلت الأقلية الشيعية الى أكثرية لولا فائض القوة الميليشاوية المسلّحة؟ وعلى غرار العراق الجديد، صاغت ايران وشاكت مشروعها العابر للعراق وانطلاقا منه في لبنان. ووفق تلك الصياغة الإيرانية لتمدّد النفوذ، كان لا بد من شطب رفيق الحريري بوصفه الزعيم الأبرز والأكبر لسنّة لبنان، والمعبر الأسطع عن النفوذ والحضور العربي فيه، كما وبوصفه الجدار العائق أمام تغوّل المشروع الايراني في لبنان، والندّ الطبيعي لحسن نصر الله الذي يستوجب تمدّد المشروع الايراني أن يكون بلا ند. كل هذه العناصر وغيرها استوجبت شطب رفيق الحريري من المعادلة لتصبح القدم الما فوق العليا في لبنان لايران عبر ذراعها الأقوى حزب الله.

ما تقدّم يعني أن ما أصاب لبنان لم يكن يستهدفه لذاته، فإصابته ليست إلا من الأعراض الجانبية لاحتلال العراق وغزوه من قبل الولايات المتحدة التي سلّمته لايران كي تفتعل فيه الأفاعيل. كما ان تغوّل ايران في اليمن عبر الحوثيين هو جرّاء الأعراض الجانبية إياها. فلمن يتطلعون الى التوازن مع ايران في لبنان او اليمن وفي كامل المنطقة، نقول بأن مفتاح هذا التوازن يكمن أولاً في استعادة العراق الذي جرى غزوه بناء على شبهة امتلاكه أسلحة دمار شامل، واقامة علاقات مع تنظيم القاعدة. انها الشبهة المتناقضة مع الاعترافات الايرانية، بل والتهديدات الابتزازية التي تطلقها طهران بشأن التخصيب النووي خلافا للاتفاق المعروف. وهي الشبهة المتناقضة مع الوقائع الإيرانية التي تقول بتخادم ايران مع تنظيم القاعدة واحتضانها لقادته ورموزه. وما اغتيال الموساد الإسرائيلي في طهران خلال شهر آب/ اغسطس الماضي لنائب أيمن الظواهري أبو محمد المصري وابنته مريم إلا غيض من فيض التخادم الإيراني القاعدي.

اذن، اغتيال الحريري هو حلقة في سلسلة حلقات تطلبها المشروع الايراني الذي تمكن وبدهاء منقطع النظير من اختراق البلاد العربية وبناء هياكله وميليشياته فيها من أبناء البلدان المستهدفة ليصبحوا سلطة موازية ومتجاوزة لدول تلك البلدان، كما الحال في العراق حيث الحشد الولائي، وفي لبنان حيث حزب الله، وفي اليمن حيث الحوثيين، وفي سوريا حيث الميليشيات الكثيرة التي يديرها الحرس الثوري. اختراق توسّلت ايران لأجله الاستثمار على المذهب والتشيّع هنا، وتحرير فلسطين وتدمير اسرائيل خلال 7 دقائق ونصف هناك، ومواجهة الشيطان الأكبر والهتاف بالموت لأمريكا عند اللزوم هنالك. خلاصة القول ان المشروع الإيراني الذي يريد استعادة الامبراطورية الفارسية واقعا ملموسا، هو المشروع الذي لا يمكن مواجهته بالصراخ وبعض الحرتقات، بل بمشروع عربي نهضوي حقيقي، يمنع شطب العرب من التاريخ بعدما شُطبوا من بعض الجغرافيا، ويكون العراق مربط فرس العرب ما قبل الأول. وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اغتيال الحريري وتغوّل إيران عبر العراق اغتيال الحريري وتغوّل إيران عبر العراق



GMT 16:13 2021 الخميس ,18 آذار/ مارس

بعض الأخبار من مصر وايران وفرنسا

GMT 19:04 2021 الإثنين ,15 آذار/ مارس

البابا فرنسيس في العراق

GMT 20:02 2021 الجمعة ,12 آذار/ مارس

التراجيديا اللبنانية .. وطن في خدمة الزعيم

GMT 19:25 2021 الثلاثاء ,09 آذار/ مارس

ليبيّات فبراير والصوت النسائي

GMT 20:13 2021 الإثنين ,08 آذار/ مارس

انا والكورونا و المرأة في يومها العالمي

GMT 09:55 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج السرطان 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 11:27 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 16:55 2020 الأحد ,01 آذار/ مارس

مناخا جيد على الرغم من بعض المعاكسات

GMT 13:43 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

إبقَ حذراً وانتبه فقد ترهق أعصابك أو تعيش بلبلة

GMT 10:25 2019 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

يراودك ميل للاستسلام للأوضاع الصعبة

GMT 17:23 2018 الأحد ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

اختفاء جزيرة يابانية قرب الحدود الروسية

GMT 14:24 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

بوكو حرام تقتل 15 إثر هجوم على قرويين في نيجيريا

GMT 11:11 2018 الثلاثاء ,24 إبريل / نيسان

لاغارد تعلن إجراءات مشددة للتصدي إلى الفساد

GMT 10:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2020

GMT 09:22 2020 الثلاثاء ,24 آذار/ مارس

أبرز ديكورات غرف المعيشة لموسم صيف 2020

GMT 14:59 2020 الإثنين ,27 كانون الثاني / يناير

أكسسوارات لإعطاء المنزل طابع يشبهك

GMT 12:01 2019 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء غير حماسية خلال هذا الشهر

GMT 16:38 2019 الأحد ,06 كانون الثاني / يناير

السيدات يسيطرن على الاستخبارات المركزية الأميركية

GMT 10:55 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الغناء الجماعي علاج بدني وروحاني لأمراض الرئة

GMT 05:12 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

منى عبد الغني تكشف عن سبب انضمامها للوفد الفني المسافر للمنيا

GMT 12:44 2018 الإثنين ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل أداء أسبوعي للجنيه الإسترليني منذ شهر يناير

GMT 13:52 2018 الإثنين ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل الأفكار لديكور زفاف مرصّع بالكريستال

GMT 11:06 2018 الخميس ,07 حزيران / يونيو

تعرف على "488 بيستا" الجديدة ونسختها المبدعة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24