المسيّرة
آخر تحديث GMT04:43:57
 العرب اليوم -

المسيّرة

المسيّرة

 العرب اليوم -

المسيّرة

بقلم -سمير عطا الله

ظهر في عالمنا منذ سنوات قليلة اختراع جديد سمّيناه بالعربية «الطائرة المسيّرة». وأي اسم للأشياء من كلمتين؛ يضعف المسمّى. وأعتقد أننا سوف نستقرّ في المستقبل على اعتماد كلمة «المسيّرة» وحدها، رغم معرفتنا باستخداماتها الكثيرة؛ من الاغتيالات، إلى رعي الأغنام، إلى تصوير مظاهرات بيروت. فكما لا يخطر لنا شيء آخر سوى «السيارة» عندما نستخدم الكلمة، فإن «المسيّرة» سوف تصبح اسماً شائعاً يميّز الطائر عن السائر. تتغيّر وظائف الاسم مع جهات الاستخدام. كانت «صحيفة» في الأساس تعني المطبوعات الدورية وحدها، ثم أصبحت تعني الصحيفة اليومية، ثم أصبحت تشمل الصحافة برمّتها. وفقدت الصحافة معناها بعد ظهور «الإذاعة» و«التلفزيون» وما تلاهما من عجائب، فأصبح يُشار إلى كل هذا بـ«الإعلام»، وهي كلمة محدودة لا تعبّر مطلقاً عن أدواره. وصرنا نقول: «الحافلة» بعد عقود من استخدام «الحافلة الكهربائية»، وأصبحت وحدها تعني أنها ذلك الجزء من القطار، سواء كانت حافلة بالركّاب، أو فيها راكب واحد يضع ذقنه على خدّه ويغنّي «دمعة على خدّ الزمن، ودمعة على خدّي»، وينهره الزمن قائلاً: «ابحث عن غيري. أنا عندي مليارات غيرك أنظر في قضاياهم»، أو يعيده المفتّش إلى الواقع: «تذاكر!».
تكسب الكلمات لنفسها مكاناً بلا عناء. رأى أحمد فارس الشدياق المصريين يستخدمون كلمة «الجورنال» الفرنسية. فالفرنسيون، في نهاية المطاف، هم الذين حملوا الصحافة والطباعة إلى مصر مع حملة نابليون. ولشدّة ما كان الشدياق مولعاً بالعربية وعظيماً بمعانيها، وضع «الجورنال» جانباً وابتكر كلمة «الجريدة». غير أن جيلاً من المصريين، في طليعته حسنين هيكل، ظلّ مصرّاً على استخدام كلمة «الجورنالجي». وكان يفعل ذلك زعيمان من لبنان، وُلدا في مصر: الشيخ بيار الجميّل، رئيس حزب «الكتائب»، والعميد ريمون إدّه، رئيس حزب «الكتلة الوطنية».
مثل الجلد البشري، تنقّي اللغة نفسها وتزيد على نفسها بصورة تلقائية. هناك تعابير في الصحافة تغيّر زمنها فزال استخدامها. الآن كلمة «انحراف» تُستخدم فقط في الإشارات الجنسية ولا ترِد في خطاب الأحزاب؛ حتى الشيوعية منها. وكلمة «الاشتراكية» أصبحت قليلة الاستخدام، وإذا استعملت، فلا تعني إطلاقاً ما كانت تعنيه أيام الحرب بين الرأسمالية والاشتراكية. سوف تُستخدم «المسيّرة» منفردة في المستقبل، كما تُستخدم كلمة «درون» في اللغات الغربية، حيث لها جذور متعدّدة كالألمانية والهولندية. وما دامت تؤدّي المعنى كاملاً، فلماذا عرضها على مجمع علمي؟ إن السؤال هنا ليس حول صحة «المسيّرة» في اللغة، بل في الحياة الإنسانية والأخلاق: هل يجوز أن تغتال عدوّك بمسيّرة من الجوّ، أم هل - في المطلق - يجوز لك الاغتيال؟
الإنسان مضحك في الخيارات التي يمنحها لنفسه: مائة غارة على طوكيو، عمل شرعي من أعمال الحرب، قنبلة نووية على هيروشيما، جريمة أبدية، ولو بعدد أقلّ من الضحايا والخراب.

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المسيّرة المسيّرة



GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 17:56 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

لو فعلها بايدن!

GMT 17:53 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ماذا وراء إعادة صياغة اتهامات ترمب؟

GMT 16:30 2019 الإثنين ,25 آذار/ مارس

مجالات جديدة وأرباح مادية تنتظرك

GMT 10:58 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الدلو الثلاثاء 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020

GMT 11:08 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

بيان عملي لمديرية الدفاع المدني في طرطوس

GMT 18:55 2021 الأحد ,24 كانون الثاني / يناير

طالبة مصرية يطرق مشروع تخرجها أبواب العالمية

GMT 14:17 2019 الثلاثاء ,10 أيلول / سبتمبر

أحدث موديلات خواتم الذهب خريف 2019

GMT 10:27 2017 الجمعة ,11 آب / أغسطس

بيت بيوت

GMT 16:42 2021 الخميس ,14 كانون الثاني / يناير

17 حيلة لجعل عطرك يدوم لفترة أطول وقت الخروج

GMT 03:56 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

استمتع بالطبيعة والمعالم التاريخية في سلطنة عمان خلال الشتاء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24