العشاء والوباء
آخر تحديث GMT06:28:45
 العرب اليوم -

العشاء والوباء

العشاء والوباء

 العرب اليوم -

العشاء والوباء

سمير عطا الله
سمير عطا الله

تجنبتُ طوال ثلاثة وثلاثين عاماً في هذه الزاوية، كما تجنبت طوال عمري في مجالس الصبا والشباب، استخدام أي كلمة مجافية للذوق. لا كتابةً ولا شفاهاً. لا في المرح ولا في الترح ولا في أي ضرورة من الضرورات. بل ولا في المواعيد الطبية. ولن أفعل ذلك الآن.

لكن «كورونا» فرض علينا، في العالم أجمع، أن يكون عالمنا بعد اليوم، أكثر نظافة مهما كان فقيراً. فالنظافة من الإيمان، وليست من الفقر، أو من الغنى. وليست مسؤولية دولة أو شعب أو فرد، بل هي أيضاً مسؤولية صانع الحلوى في الصين.
أصدرت دار الساقي عام 2015 كتاباً مثيراً وضعته المذيعة الصينية الشهيرة «شينران» عن تجاربها مع المستمعات اللواتي يشكين إليها حوادثهن. إحدى أولئك تشكو إليها ما رأته في أحد الأفران حيث شاهدت كيف يصنع العمال الكعك المفضل لديها. لن أدخل في أي تفصيل. لكن الكاتبة تنقل عن صحافية زميلة لها قولها: «إن أقذر الأمكنة في العالم ليست المجاري بل أطعمة المصانع ومطابخ المطاعم». وتضيف أنها توقفت عن أكل الكعك الذي تحبه.
البعض يريد مقاضاة الصين لأنها سمحت بتسرب فيروس «كورونا» وتسببت في كل هذه المآسي. ولعلّهم على حق. وقد تكون الصين، ومعها دول آسيوية أخرى، حرة في أن تأكل ما تشاء شرط أن تضمن عدم عبور جراثيمها وفيروساتها إلى العالم، وأن يتحول الخفاش المقزز من عشاء إلى وباء عالمي.
رغم الرقابة الشديدة في الصين والنظام الشيوعي، فقد صدرت كتب كثيرة عن طبيعة الحياة في البلاد، أحدها عرضتُه هنا قبل سنوات «بجعات برية» (أيضاً دار الساقي) وفيه ما تتعرض له المرأة الصينية من عنف الرجل واستبداده. وفي «نساء من الصين» نقرأ عن عذابات الأسرة وفظاعات الآباء والأزواج. وكنا نعرف أن هذه الانحرافات العدمية منتشرة في المجتمعات الغربية المنحلة، لكن لم يخطر لنا أنها شائعة أيضاً في مجتمع انضباطي كالمجتمع الصيني، ليس في ظل الشيوعية وحدها، بل في ظل التربية الكونفوشية التي بُني عليها المجتمع الصيني.
بعد «كورونا» العابر للقارات سوف يتعين على كل بلد أن يعيد النظر في طريقة حياته. عندما انتقلنا من باريس إلى لندن للسكن أواخر السبعينات، اكتشفنا أن ما يتلذذ به الفرنسيون من أعضاء المواشي، ممنوع في بريطانيا إلا عند اللحامين الفرنسيين. وكانت فرصة لنا، خصوصاً أن في المطبخ اللبناني الكثير من المشهيّات على الطريقة الفرنسية. ومنذ ذلك الوقت، اكتفينا من كل ما هو فرنسي بالأدب والفكر والعطر وأنواع الجبنة. وعندما أقول العطر، أقصد الرجالي الخفيف وليس ما يشاع عن العرب استخدامه، أي المركّز منه. وهو ما يشير إليه شكسبير في «ماكبث» عندما يقول إن كل عطور العرب لن تخفي رائحة الدماء المجمّدة على أيديهم.

 

syria

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العشاء والوباء العشاء والوباء



GMT 17:14 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

مئويتان

GMT 18:18 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

من شعر الفرزدق وجرير وأبو تمام

GMT 13:36 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

ذهبت ولن تعود

GMT 17:58 2021 الجمعة ,05 شباط / فبراير

ما في أنفسهم

GMT 16:12 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 09:13 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أترك قلبك وعينك مفتوحين على الاحتمالات

GMT 10:45 2019 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أنت مدعو إلى الهدوء لأن الحظ يعطيك فرصة جديدة

GMT 14:05 2020 السبت ,02 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 15:15 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

2- اجواء متقلبة في الجزء الأول من الشهر

GMT 16:00 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

وزراء المال الأوروبيون يناقشون موازنة إيطاليا

GMT 06:47 2019 الأربعاء ,17 تموز / يوليو

شعبة شركات الأمن والحراسة تشكيل لجان نوعية

GMT 09:10 2019 السبت ,09 آذار/ مارس

9 مارس 1919

GMT 09:57 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

التحالف الدولي يكشف عن عدد عناصر تنظيم "داعش" في هجين السورية

GMT 09:02 2018 الأربعاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

خُبراء يكشفون عن أفضل عُمر لتعلُّم وإتقان اللغات الأجنبية

GMT 06:24 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

راغب علامة يصور كليبًا جديدًا في مدينة كييف

GMT 20:30 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

"سوق السفر العالمي" ينطلق افتراضيًا في تشرين الثاني 2020

GMT 13:35 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Syria-24 Syria-24 Syria-24 Syria-24
syria-24 syria-24 syria-24
syria-24
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
syria-24, syria-24, syria-24