القصف على إدلب السورية

تعرضت مناطق عدة في شمال غربي سوريا، أمس الثلاثاء، لقصف كثيف لليوم الثامن على التوالي، غداة اشتباكات عنيفة بين قوات النظام وفصائل، أوقعت عشرات القتلى وتسببت في حركة نزوح واسعة، رغم أن المنطقة مشمولة باتفاق روسي - تركي.

وأعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تغريدة عن "قلقه البالغ" حيال "تصعيد العنف في إدلب السورية"، حيث أدت "ضربات للنظام وحلفائه، بما في ذلك على مستشفيات، إلى مقتل عدد كبير من المدنيين في الأيام الأخيرة".

وأضاف ماكرون، "الوضع الإنساني في سورية حرج وأي خيار عسكري ليس مقبولًا. نطلب وقف أعمال العنف وندعم الأمم المتحدة لصالح حلّ سياسي لا بد منه".

وطالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بوقف فوري لأعمال العنف وحماية المدنيين الذين تطالهم الغارات بشكل متواصل منذ أسبوع.

واستأنفت الطائرات الحربية السورية والروسية صباح أمس الثلاثاء غاراتها تزامنًا مع قصف صاروخي على بلدات وقرى عدة في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، وفق ما أفاد به "المرصد السوري لحقوق الإنسان".

اقرا ايضا

ثلث موظفي الأمم المتحدة يتعرضون للتحرش الجنسي وغوتيريش يتفاجأ بالعدد

وتسببت الغارات والقصف وفق المرصد، بمقتل 13 مدنيًا على الأقل، بينهم طفل و4 نساء، ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" أن وحدات من الجيش وجهت صباح اليوم ضربات صاروخية على أوكار الإرهابيين وتحركاتهم شمال غربي مدينة حماة؛ ردًا على اعتداءاتهم المتكررة على النقاط العسكرية والقرى الآمنة».

وتسيطر «هيئة تحرير الشام "جبهة النصرة سابقًا"، مع فصائل جهادية على محافظة إدلب وأجزاء من محافظات حلب "شمال" وحماة "وسط" واللاذقية "غرب"، يشملها اتفاق توصلت إليه موسكو وأنقرة في سوتشي في سبتمبر /أيلول الماضي، وينص على إقامة منطقة "منزوعة السلاح" تفصل بين مناطق سيطرة قوات النظام والفصائل.

ولم يتم استكمال تنفيذ الاتفاق بعد. وتتهم دمشق أنقرة بـ"التلكؤ" في تطبيقه، وجنّب الاتفاق إدلب، التي تؤوي ومحيطها نحو 3 ملايين نسمة، حملة عسكرية واسعة لطالما لوّحت دمشق بشنّها، إلا إن قوات النظام صعّدت منذ فبراير "شباط" الماضي وتيرة قصفها المنطقة المشمولة بالاتفاق ومحيطها قبل أن تنضم الطائرات الروسية لها لاحقًا. وشاهد مراسل وكالة الصحافة الفرنسية أمس الثلاثاء عشرات السيارات والشاحنات الصغيرة محملة بنساء وأطفال جلسوا بين الفرش وأغراض وأوان منزلية تنقلها العائلات معها، في طريقها من جنوب إدلب نحو مناطق الشمال. واصطحب عدد من النازحين في جرارات وعربات زراعية ماشيتهم معهم. ومن بين هؤلاء النازحين أبو أحمد "40 عامًا" الذي فرّ مع زوجته وأطفاله الثلاثة من قريته، معرة حرمة، في ريف إدلب الجنوبي.

ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية، "هذه المرة الثالثة التي ننزح فيها، لكنها الأكثر رعبًا، فالطيران لم يهدأ فوق رؤوسنا ولا القذائف"، " ويضيفـ "لم نعرف كيف خرجنا ولا نعلم ما وجهتنا، لا يزال طريقنا طويلًا باتجاه الحدود "التركية"؛ لأنها أكثر أمانًا"، موضحًا، "نريد أن ننتهي من القصف، لقد تعبنا فعلًا".

ومع تصعيد قوات النظام قصفها منذ فبراير الماضي، فرّ أكثر من 150 ألف شخص إلى مناطق أكثر هدوءًا، وفق الأمم المتحدة. ودعا غوتيريش ليل الاثنين أطراف النزاع إلى حماية المدنيين في إدلب، مطالبًا روسيا بالمساعدة في فرض وقف فوري لإطلاق النار.

ولم تسلم المدارس والمرافق الطبية من الغارات السورية والروسية خلال الأسبوع الأخير، وأحصت الأمم المتحدة منذ 28 أبريل/ نيسان الماضي استهداف 7 مستشفيات ومرافق طبية، ما تسبب في خروج عدد منها من الخدمة، بالإضافة إلى 9 مدارس.

وجاء تجدد القصف أمس الثلاثاء، غداة اشتباكات عنيفة اندلعت بين قوات النظام و"هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا)" في ريف حماة الشمالي، أوقعت 53 قتيلًا من الطرفين، وفق المرصد، كما قتل 9 مدنيين جراء الضربات الجوية السورية والروسية.

واندلعت هذه الاشتباكات إثر تقدم قوات النظام وسيطرتها على قريتين وتل استراتيجي، واستمرت معارك الكرّ والفرّ بين الطرفين ليلًا في المنطقة.

وتعد حصيلة القتلى من بين الأعلى منذ التوصل إلى "اتفاق سوتشي"، وفق المرصد، وتعدّ محافظة إدلب، بالإضافة إلى مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد في شمال وشرق سوريا، الوحيدة الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية؛ ولطالما أكدت دمشق عزمها استعادتها عن طريق "المصالحات"، وهي تسويات تبرمها مع الفصائل بعد هجمات عسكرية، أو عبر الحل العسكري.

وتمكنت قوات النظام بدعم من حلفائها، لا سيما روسيا، من السيطرة على مناطق عدة كانت خارج سيطرتها، آخرها الغوطة الشرقية ومحافظتا درعا والقنيطرة جنوبًا. وتقدر الأراضي تحت سيطرتها حاليًا بأكثر من 60 في المائة من مساحة البلاد.

ورغم أن "اتفاق سوتشي" لا يزال قائمًا، فإن الباحث في مركز "سنتشوري فاونديشن" آرون لوند لا يستبعد أن تبادر دمشق إلى شنّ "هجوم محدود في إدلب، لقضم بعض المناطق" في محاولة لإضعاف "هيئة تحرير الشام" أو الحصول على "تنازلات معينة".

ويبدو هذا الاحتمال قائمًا مع سعي القوات الحكومية إلى السيطرة على طريقين سريعتين تمران عبر إدلب وتربطان مناطق سيطرتها في حلب وحماة واللاذقية.

ويتوقع الباحث في الجغرافيا السورية فابريس بالانش أن "يبقى الجزء الشمالي من إدلب والمحاذي للحدود التركية معقلًا لـ"هيئة تحرير الشام" لبعض الوقت"، في حين سيكون من السهل على الجيش السوري استعادة جنوب المحافظة.

ومن شأن إعادة فتح الطريقين، وفق بالانش، أن تنعش مدينة حلب التي "ما زالت معزولة لأنها محرومة من الجزء الأكبر من أريافها وغير مرتبطة ببقية المناطق السورية".

وتشهد سورية نزاعًا داميًا تسبب منذ اندلاعه في عام 2011 بمقتل أكثر من 370 ألف شخص، ودمار هائل 

وقد يهمك ايضًا:

غوتيريش يُؤكّد أن الإسلام يتعرض لهجمة شرسة تستهدف اتهامه بالتطرف

غوتيريش يؤكّد أن انتقاد القوميين لن يُنقذ نظام الأمم المتحدة